للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأدْخَلَت فيه قولًا فعَلَت ذلك، فوجَّهَت الخبرَ أحيانًا إلى الخبرِ عن الغائبِ، وأحْيانًا إلى الخطابِ، فتقولُ: قلتُ لعبدِ اللهِ: ما أَكْرَمه. وقلتُ لعبدِ اللهِ: ما أَكْرَمَك. وتُخْبِرُ عنه أحيانًا على وجهِ الخبرِ عن الغائبِ، ثم تَعودُ إلى الخطابِ، وتُخْبِرُ على وجهِ الخِطابِ له، ثم تَعودُ إلى الخبرِ عن الغائبِ. وذلك في كلامِها وأشعارِها كثيرٌ فاشٍ، وقد ذكَرْنا بعضَ ذلك فيما مضَى بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

وقد كان بعضُ نحويى البصرة يقولُ في ذلك: كأنه أخْبَر النبيَّ ثم خاطبه معهم. وقال: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢]. فجاء بلفظِ الغائبِ وهو يُخاطِبُ؛ لأنه المخاطَبُ.

القولُ في تأويل قولِه عز ذكرُه: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)﴾.

وهذا إخبارٌ من الله تعالى ذكرُه نبيَّه محمدًا عن هؤلاء القوم الذين يَعْدِلون بربِّهم الأوثانَ والآلهةَ والأصنامَ، يقولُ تعالى ذكرُه: وكيف يَتَفَقَّهُون الآياتِ (٢)، أم كيف يَسْتَدِلُّون على بُطْلانِ ما هم عليه مُقيمون من الكفر بالله وجُحودِ نبوَّتِك، بحججِ الله وآياته وأدلتِه؟ وهم لعِنادِهم الحقَّ، وبعدِهم من الرُّشْدِ، لو أنْزَلْتُ عليك يا محمدُ الوحىَ الذي أنْزَلْتُه عليك مع رسولى في قِرْطاسٍ، يُعاينونه ويَمَسُّونه بأيديهم، ويَنْظُرون إليه ويَقْرَءونَه منه، مُعَلَّقًا بين السماءِ والأرضِ، بحقيقةِ ما تَدْعوهم إليه، وصحةِ ما تَأْتِيهم به مِن توحيدى وتَنْزِيلى - لَقال الذين يَعْدِلُون بي غيرى، فيُشْرِكون في توحيدِى سِواىَ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾. أي: ما هذا الذي جئْتَنا به إلا سحرٌ سَحَرْتَ به أعْينَنا، ليست له حقيقةٌ ولا صحةٌ، ﴿مُبِينٌ﴾.


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ١٥٥، ١٥٦، ٢/ ١٩٣، ١٩٤، ٢٦٣، ٢٩٤.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "الأوثان".