للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن قتادةَ في قولِه: ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾. يقولُ: أَعْطَيْناهم ما لم نُعْطِكم (١).

قال أبو جعفرٍ: أمْطَرَت فَأَخْرَجَت لهم الأشجارُ ثمارَها، وأعْطَتهم الأرضُ رَيْعَ نَباتِها، وجابوا صخورَ جبالِها، ودرَّت عليهم السماءُ بأمْطارِها، وتفَجَّرَت مِن تحتهم عيونُ المياهِ بيَنابيعِها بإذنى، [فغمَطُوا نعمة] (٢) ربِّهم، وعصَوْا رسولَ خالِقهم، وخالَفوا أمْرَ بارئِهم، وبغَوْا حتى حقَّ عليهم قَوْلى، فأَخَذْتُهم بما اجتَرَحوا مِن ذنوبِهم، وعاقَبْتُهم بما اكْتَسَبَت أيديهم، وأهْلَكْتُ بعضَهم بالرَّجْفة، وبعضَهم بالصَّيْحةِ، وغير ذلك من أنواعِ العذابِ.

ومعنى قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾. المطرَ. ويعنى بقوله: ﴿مِدْرَارًا﴾. غزيرةً دائمةً، ﴿وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾. يقولُ: وأَحْدَثْنا مِن بعدِ الذين أهلَكْناهم قرنًا آخرين، فابْتَدأنا سِواهم.

فإن قال قائلٌ: فما وجهُ قولِه: ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾. ومَن المُخاطَبُ بذلك، فقد ابْتَدَأَ الخبرَ في أوّلِ الآية عن قومٍ غَيبٍ بقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾.

قيل: إن المخاطَبَ بقوله: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾. هو المُخبَرُ عنهم بقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾. ولكن في الخبر معنى القول، ومعناه: قُلْ يا محمدُ لهؤلاء القوم الذين كذَّبوا بالحقِّ لمَّا جاءهم: أَلم يَرَوْا كم أَهْلَكْنَا مِن قبلِهم مِن قَرْنٍ مَكَّناهم في الأرض ما لم نُمكِّن لكم. والعربُ إذا أخْبَرَت خبرًا عن غائبٍ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٢٦٣ (٧١١٠) عن الحسن بن يحيى به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٥ إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.
(٢) في ص: "فطعوا نعمة"، وفى ت ١: "فطمعوا نعمة"، وفى س: "فطغوا بنعمة".