للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اصطَفى ذُرِّيَّةٌ بعضُها مِن بعضٍ.

وإنما جعَل بعضَهم من بعضٍ في المُوالاة في الدين، والمؤازَرَة على الإسلام والحقِّ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١]. وقال في مَوْضِعٍ آخرَ: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٦٧]. يعنى: أنَّ دينَهم واحدٌ، وطريقَتَهم واحدةٌ، فكذلك قولُه: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾. إنما معناه: ذُرِّيةً دِينُ بعضها دِينُ بعضٍ، وكَلِمَتُهم واحدةٌ، ومِلَّتُهم واحدةٌ في توحيد الله وطاعته.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾. يقولُ: في النية والعمل والإخلاص والتوحيد له (١).

وقوله: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. يعنى بذلك: واللهُ ذو سَمْعٍ لقول امرأة عمران، وذو علْمٍ بما تُضْمِرُه في نفسِها، إذ نَذَرتْ له ما في بطنها مُحَرَّرًا.

القولُ في تأويل قوله: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥)﴾.

يعنى [بذلك بقولِه جلَّ ثناؤُه: والله سميعٌ عليمٌ] (٢) ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾. فـ ﴿إِذْ﴾ مِن صِلَةِ ﴿سَمِيعٌ﴾. وأما امرأة عمران، فهى أمُّ مَريمَ ابنة عِمرانَ أُمِّ عيسى ابن مريمَ، صلوات الله عليه، وكان اسمُها، فيما ذُكِرَ لنا، حَنَّةَ ابنةَ فاقوذَ (٣) ابن قبيلٍ (٤).

كذلك حدَّثنا به محمدُ بنُ حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق في


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٣٥ (٣٤١٨) من طريق شيبان، عن قتادة.
(٢) في النسخ: "بقوله جل ثناؤه". والمثبت هو ما جرت عليه عادة المصنف في تفسيره، وسيأتي في ص ٣٩٢.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "قابود".
(٤) في م في هذا الموضع والموضع بعده: "قتيل".