وكان هذا الوعيدُ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه لمَن سبَق في علمِه أنه سيَرْتَدُّ بعدَ وفاةِ نبيِّه محمدٍ ﷺ، وكذلك وعْدُه من وعَد مِن المؤمنين ما وعَده في هذه الآيةِ، لمن سبَق له في علمِه أنه لا يُبَدِّلُ ولا يُغَيِّرُ دينَه ولا يَرْتَدُّ، فلمَّا قبَض الله نبيَّه ﷺ ارْتَدَّ أَقْوامٌ مِن أهلِ الوَبَرِ وبعضُ أهلِ المَدَرِ، فأبْدَل اللَّهُ المؤمنين بخيرٍ منهم كما قال تعالى ذكرُه، ووفَّى للمؤمنين بوعدِه، وأنْفَذ في من ارتَدَّ منهم وَعِيدَه.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونُسُ، قال: أخْبرَنا ابن وهبٍ، قال: أَخْبَرَني عبدُ اللَّهِ بنُ عَيَّاشٍ، عن أبي صَخْرٍ، عن محمدِ بن كعبٍ، أن عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ أرْسَل إليه يومًا، وعمرُ أميرُ المدينةِ يومَئذٍ، فقال: يا أبا حمزةَ، آيةٌ أَسْهَرَتْني البارحةَ. قال محمدٌ: وما هي أيُّها الأميرُ؟ قال: قولُ اللَّهِ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ حتى بلَغ ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾. فقال محمدٌ: أيُّها الأميرُ، إنما عنَى اللَّهُ بالذين آمَنوا الوُلاةَ مِن قريشٍ مَن يَرْتَدُّ عن الحقِّ (١).
ثم اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في أعْيانِ القومِ الذين أتَى اللَّهُ بهم المؤمنين، وأبْدَل المؤمنين مكانَ مَن ارْتَدَّ منهم؛ فقال بعضُهم: هو أبو بكرٍ الصديقُ وأصحابُه الذين قاتَلوا أهلَ الرِّدَّةِ حتى أدْخَلوهم مِن البابِ الذي خرَجوا منه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، قال: ثنا حفصُ بنُ غِياثٍ، عن الفضلِ بن دَلْهَمٍ، عن
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١١٥٩، ١١٦٠ (٦٥٣١، ٦٥٣٢) عن يونس به.