للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُعْجِزين في الأرضِ، ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾، يعني الآلهةَ، أنها لم يكنْ لها سمعٌ ولا بصرٌ. وهذا قولٌ رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ مِن وجهٍ كَرِهْتُ ذكرَه لضعفِ سَنَدِه.

وقال آخرون: معنى ذلك: يُضاعَفُ لهم العذابُ بما كانوا يستطيعون السمعَ ولا يَسْمَعونه، وبما كانوا يُبْصِرون ولا يَتأمَّلون (١) حججَ اللَّهِ بأعينِهم فيَعْتَبِروا بها. قالوا: والباءُ كان ينبغي لها أن تدخلَ؛ لأنه قد قال: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة: ١٠]. بكذبِهم، في غيرِ موضعٍ مِن التنزيلِ، أُدخِلت فيه الباءُ، وسقوطُها جائزٌ في الكلامِ، كقولِك في الكلامِ: [لأجزينَّك بما عمِلتَ، وما عمِلتَ] (٢). وهذا قولٌ قاله بعضُ أهلِ العربيةِ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا ما قاله ابنُ عباسٍ وقتادةُ، مِن أنَّ اللَّهَ وَصَفَهم، تعالى ذكرُه، بأنهم لا يستطيعون أن يَسْمَعوا الحقَّ سماعَ مُنْتفِعٍ، ولا يُبْصِرونه إبصارَ مهتدٍ؛ لاشتغالِهم بالكفرِ الذي كانوا عليه مُقِيمين، عن استعمالِ جوارحِهم في طاعةِ اللَّهِ، وقد كانت لهم أسماعٌ وأبصارٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى ﷿: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين هذه صفتُهم، هم الذين غَبَنُوا أنفسهم


(١) في ت ١، س: "يتلون".
(٢) في النسخ: "لاحت بما فيك ما عملت، وبما علمت". ولعله خطأ، والمثبت من معاني القرآن ٢/ ٨.