للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتقدمِ على بعضِ ما نهاه اللهُ عنه، مِن الأمورِ التي كان جائزًا ابتداءُ تحليلِه وإباحتِه، فحرَّمه على خلقِه جل ثناؤُه، أو على تركِ بعض ما أمَره اللهُ بفعلِه، مما كان جائزًا ابتداءُ إباحةِ تركِه، فأوْجَب فعلَه على خلقِه. فإن الذي يَهِمُّ بذلك مِن المؤمنين إذا هو لم يُصَحِّحْ همَّه بما يَهِمُّ به، ويُحَقِّقْ ما أخْفَتْه نفسُه مِن ذلك بالتقدمِ عليه، لم يَكُنْ مأخوذًا، كما رُوى عن رسولِ اللهِ أنه قال: "مَن همَّ بحسنةٍ فلم يَعْمَلُها كُتِبَت له حسنةٌ، ومَن همَّ بسيئةٍ فلم يَعْمَلْها لم تُكْتَبْ عليه" (١). فهذا الذي وصَفْنا هو الذي يُحاسِبُ اللهُ به مؤمنى عبادِه، ثم لا يُعاقِبُهم عليه.

فأما مَن كان ما أَخْفَتْه نفسُه شكًّا في اللهِ، وارْتِيابًا في نبوةِ أنبيائِه، فذلك هو الهالكُ المُخَلَّدُ في النارِ، الذي أوْعَده جلَّ ثناؤُه أن يعذِّبَه العذاب الأليمَ بقولِه: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾.

فتأويلُ الآيةِ إذنْ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أَيُّهَا النَّاسُ فَتُظْهِروه ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ فتَنْطَوِى عليه نفوسُكم ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾، فيُعرِّفُ مؤمنكم (٢) تفَضُّلَه بعفوِه عنه ومغفرتَه له، فيَغْفِرُه له، ويُعَذِّبُ مُنافقِكم (٣) على شكِّه (٤) الذي انْطَوَت عليه نفسُه في وَحْدانيةِ خالقِه ونبوةِ أنبيائِه.

القولُ في تأويل قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: والله على العفوِ عما أخْفَتْه نفسُ هذا المؤمنِ مِن الهِمَّةِ بالخَطيئةِ، وعلى عقابِ هذا الكافرِ على ما أخْفَتْه نفسُه مِن الشكِّ في توحيدِ


(١) أخرج نحوه مسلم (٢٠٦، ٢٠٧) من حديث أبى هريرة وابن عباس. وينظر ما تقدم في ٢/ ٤١١.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مؤمنيكم".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "منافقيكم".
(٤) في ص: "شك"، وفى م، س: "الشك".