للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعريفِه بفَضْلِه وبكَرَمِه عليه، فيَسْتُرُه عليه. وذلك هو المغفرةُ التي قد وعَد عبادَه المؤمنين، فقال: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.

فإن قال قائلٌ: فإن قوله ﷿: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ينبئُ عن أن جميعَ الخلقِ غير مؤاخَذين إلا بما كسَبَتْه أنفسُهم مِن ذنبٍ، ولا مثابين إلا بما اكتسبته مِن خيرٍ. قيل: إن ذلك كذلك، وغيرُ مؤاخذٍ العبدُ بشيءٍ من ذلك إلا بفعلِ ما نُهى عن فعلِه، أو تركِ ما أُمِر بفعلِه.

فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك، فما معنى وعيدِ اللَّهِ ﷿ إيانا على ما أخْفَته أنفسُنا بقولِه: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ إن كان ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾، وما أضمرته قلوبُنا وأخْفَته أنفسُنا؛ من همٍّ بذنبٍ، أو إرادةٍ لمعصيةٍ، لم تَكْتَسِبْه جَوارحُنا؟

قيل له: إن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه قد وعَد المؤمنين أن يعفوَ لهم عما هو أعظمُ من همٍّ همَّ به أحدُهم مِن المعاصى فلم يَفْعَلْه، وهو ما ذكرنا من وعْدِه إياهم العفوَ عن صغائرِ ذُنوبِهم إذا هم اجْتَنَبوا كبائرَها، وإنما الوعيدُ مِن اللَّهِ جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ على ما أخفَته نفوسُ الذين كانت أنفسُهم تُخْفِى الشكَّ في اللَّهِ والمريةَ في وحدانيتِه، أو في نبوّةِ نبيِّه محمدٍ ، وما جاء به مِن عندِ اللَّهِ، أو في المَعَادِ والبعثِ من المنافقين، على نحوِ ما قال ابن عباسٍ ومجاهدٌ، ومَن قال بمثلِ قولِهما؛ من أن تأويلَ قولِه: ﴿أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ على الشكِّ واليقينِ، غيرَ أنَّا نقولُ: إن المُتوعَّدَ بقولِه: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ﴾. هو مَن كان إخفاءُ نفسِه ما تُخْفِيه الشكَّ والمِرْيةَ في اللَّهِ، وفيما يكونُ الشكُّ فيه باللَّهِ كفرًا، والموعودَ الغُفْران بقولِه: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ هو الذي إخفاؤه (١) ما يُخْفِيه الهمَّةُ


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت، س: "أخفى و".