للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا أبو تُمَيْلةَ، عن أبي حمزةَ، عن جابرٍ، عن عكرمةَ في: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾. قال: هما الجنةُ والنارُ اخْتَصَمَتا، فقالت النارُ: خلَقَنى اللَّهُ لعقوبتِه. وقالت الجنةُ: خلَقَنى اللَّهُ لرحمتِه. فقد قصَّ اللَّهُ عليك مِن خبرِهما ما تَسْمَعُ (١).

وأولى هذه الأقوالِ عندى بالصواب وأشبهُها بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: عُنِى بالخصمينِ جميعُ الكفارِ مِن أيِّ (٢) أصنافِ الكفرِ كانوا، وجميعُ المؤمنين. وإنما قلتُ: ذلك أولى بالصوابِ؛ لأنه تعالى ذكرُه ذكَر قبلَ ذلك صِنْفين مِن خلقِه؛ أحدُهما: أهلُ طاعةٍ له بالسجودِ، له والآخرُ: أهلُ معصيةٍ له، قد حقَّ عليه العذابُ، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾. ثم قال: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾. ثم أتْبَع ذلك صفةَ الصِّنْفين كليهما وما هو فاعلٌ بهما، فقال: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾. وقال اللَّهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الحج: ٢٣]. فكان بيِّنًا بذلك أن ما بيَن ذلك خبرٌ عنهما.

فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ فيما رُوِى عن أبي ذرٍّ في قولِه: إن ذلك نزَل في الذين بارَزوا يومَ بدرٍ؟ قيل: ذلك إن شاء اللَّهُ كما رُوِى عنه، ولكنَّ الآيةَ قد تَنْزِلُ بسببٍ مِن الأسبابِ ثم تكونُ عامَّةً في كلِّ ما كان نظيرَ ذلك السببِ، وهذه من


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣٤٩ إلى المصنف إلى قوله: خلقنى الله لرحمته.
(٢) في م: "أن".