كما حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلمةُ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن محمدِ بن جعفرِ بن الزبيرِ: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ والعُدْوانَ ﴿قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ وهذا قولُهم الذي أصابُوا به الفضلَ مِن ربِّهم، ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ لا كما يقولُ هؤلاء الذين يُحاجُّونك فيه - يعنى وفدَ نصارَى نَجْرانَ (١).
وهذا خبرٌ مِن اللهِ ﷿ عن الحَواريِّين أنهم قالوا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا﴾ أَي: صدَّقْنا ﴿بِمَا أَنْزَلْتَ﴾ يعنى: بما أنْزلتَ على نبيِّك عيسى مِن كتابِك، ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ يعنى بذلك: صِرْنا أتباعَ عيسى، على دينِك الذي ابْتَعَثْتَه به، وأعوانَه على الحقِّ الذي أرْسَلْتَه به إلى عبادِك.
وقولُه: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ يقولُ: فأَثْبِتْ أسماءَنا مع أسماءِ الذين شهِدُوا بالحقِّ، وأَقَرُّوا لك بالتوحيدِ، وصدَّقوا رُسُلَك، واتَّبعوا أمرَك ونهيَك، فاجْعَلنا في عِدادِهم ومعهم، فيما تُكْرِمُهم به مِن كَرامتِك، وأَحِلَّنا مَحَلَّهم، ولا تَجْعَلْنا ممَّن كفَر بك، وصدَّ عن سبيلِك، وخالَف أمرَك ونهيَك.
يُعَرِّفُ خلقَه جلَّ ثناؤُه بذلك سبيلَ الذين رضِىَ أقوالَهم وأفعالَهم، ليَحْتَذوا طريقَهم، ويَتَّبِعُوا مِنْهاجَهم، فيَصِلوا إلى مثلِ الذي وصَلوا إليه مِن درجاتِ كرامتِه، ويُكَذِّبُ بذلك الذين انْتَحَلوا مِن المِلَلِ غيرَ الحَنيفيَّةِ المسلمةِ، في دَعْواهم على أنبياءِ اللهِ، أنهم كانوا على غيرِها، ويَحْتَجُ به على الوفدِ الذين حاجُّوا رسولَ اللهِ ﷺ مِن
(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٨٢، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٥٨، ٦٦٠ (٣٥٦٣، ٣٥٧٤، ٣٥٧٥) من طريق سلمة، عن ابن إسحاق قوله.