للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطعامِ: حُوَّارَى؛ لشدةِ بياضِه، ومنه قيل للرجلِ الشديدِ البياضِ مُقْلةِ العينَيْن: أحورُ. وللمرأةِ: حوراءُ.

وقد يَجوزُ أن يكونَ حواريُّو عيسى كانوا سُمُّوا بالذي ذكَرْنا مِن تبييضِهم الثيابَ، وأنهم كانوا قَصَّارِين، فعُرِفوا بصحبةِ عيسى، واخْتيارِه إيَّاهم لنفسِه أصحابًا وأنصارًا، فجرَى ذلك الاسمُ لهم، واسْتُعْمِل حتى صار كلُّ خاصةٍ للرجلِ مِن أصحابِه وأنصارِه حَوَارِيَّه، ولذلك قال النبي : "لكلِّ (١) نبيٍّ حَوارِيٌّ، وحَوارِيَّ الزبيرُ" (٢). يعنى خاصتُه، وقد تُسَمِّي العربُ النساء اللَّواتي مَساكنُهن القرَى والأمصارُ: "حَوَارِيَّاتٍ"، وإنما سُمِّينَ بذلك لغلبةِ البياضِ عليهن، ومن ذلك قولُ أبي جَلْدةَ اليَشْكُريِّ (٣):

فقلْ للحَواريَّاتِ (٤) يَبْكِين غيرَنا … ولا تَبْكِنا إلا الكلابُ النَّوابِحُ

ويعنى بقولِه: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾: قال هؤلاء الذين صفتُهم ما ذكَرْنا مِن تبْيِيضِهم الثيابَ: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾: صدَّقْنا باللهِ واشهَد أنت يا عيسى بأننا مسلمُون.

وهذا خبرٌ من اللهِ ﷿ أن الإسلامَ دينُه الذي ابْتَعَث به عيسى والأنبياءَ قبلَه، لا النصرانيةَ ولا اليهوديةَ، وتَبْرِئَةٌ مِن اللهِ لعيسى ممَّن انْتَحَل النصرانيةَ، ودان بها، كما برَّأ إبراهيمَ من سائرِ الأديانِ غيرِ الإسلامِ، وذلك احْتِجاجٌ مِن اللهِ تعالَى ذكرُه لنبيِّه على وفدِ نَجْرانَ.


(١) في ص، ت ٢، س: "إن لكل" وهو لفظ بعض الروايات.
(٢) أخرجه أحمد ٢٢/ ٢٠٠، ٢٠١ (١٤٢٩٧)، والبخارى (٢٨٤٧، ٣٧١٩، ٤١١٣، ٧٢٦١)، ومسلم (٢٤١٥) من حديث جابر.
(٣) البيت في الوحشيات ص ٢٩ والمؤتلف والمختلف للآمدى ص ١٠٧ ولسان العرب (ح و ر).
(٤) في الوحشيات، والمؤتلف والمختلف: "لنساء المِصر".