للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾.

وهذا القولُ الذي ذكَرناه عن مجاهدٍ قولٌ غيرُه أوْلَى بالصوابِ منه؛ لإجماع الجميعِ على أن الخوفَ متى زال فواجبٌ على المصلِّى المكتوبةَ - وإن كان في سفرٍ - أداؤُها بركوعِها وسجودِها وحدودِها، وقائمًا بالأرضِ غيرَ ماشٍ ولا راكبٍ، كالذى يجِبُ عليه مِن ذلك إذا كان مقيمًا في مصرِه وبلدِه، إلا ما أُبيحَ له مِن القصرِ فيها في سفرِه، ولم يَجْرِ في هذه الآية للسفرِ ذكرٌ فيَتَوَجَّهَ قولُه: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ إليه. وإنما جرَى ذكرُ الصلاةِ في حالِ الأمنِ وحالِ شدَّةِ الخوفِ، فعرَّف اللهُ عبادَه صفةَ الواجبِ عليهم مِن الصلاةِ فيهما، ثم قال: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ فزالَ الخوفُ، فأَقِيموا صلاتَكم وذِكرِى فيها وفي غيرِها، مثلَ الذي أوجبْتُه عليكم قبلَ حدوثِ حالِ الخوفِ.

وبعدُ (١)، فلو (٢) كان جرَى للسفرِ ذِكرٌ، ثم أرادَ اللهُ تعالى ذِكُره تعريفَ خلقِه صفةَ الواجبِ عليهم مِن الصلاةِ بعدَ مُقامِهم لقال: فإِذا أَقَمْتم فاذْكُرُوا الله كما علَّمكم ما لم تكونوا تَعْلَمون. ولم يَقُلْ: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾. وفي قولِه تعالى ذِكُره: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾. الدَّلالة الواضِحةُ على صحةِ قولِ مِن وجَّه تأويلَ ذلك إلى الذي قلنا فيه، [وخلافِ] (٣) قول مُجاهد.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾.


(١) في م: "بعده".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "فإن".
(٣) في م: "وإلى خلاف".
* من هنا يبدأ الجزء الأول من المخطوط س.