للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى تعالى ذِكُره بذلك: والذين يُتَوَّفون منكم أيُّها الرجالُ، ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ يعني زوجاتٍ كُنَّ له نساءً في حياتِه، بنكاحٍ لا مِلْكِ يمينٍ. ثم صُرِف الخبرُ عن ذكرِ مَن ابْتَدأ الخبرُ بذكرِه، نظير الذي مضَى مِن ذلك في قولِه: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ إلى الخبرِ عن ذكرِ أزواجِهم. وقد ذكَرنا وجهَ ذلك، ودلَّلْنا على صحةِ القولِ فيه في نظيرِه الذي قد تقدَّم قبلَه، فأغْنَى ذلك عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

ثم قال تعالى ذِكُره: ﴿وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ فَاخْتَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأ بعضُهم: ﴿وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ بنصبِ "الوصيةِ"، بمعنى: فَلْيُوصوا وصيةً لأزواجِهم، أو عليهمْ وصيةً لأزواجِهم (٢).

وقرَأ آخَرون: (وصيةٌ لأزواجهم) برفعِ "الوصيةِ" (٣).

ثم اخْتَلف أهلُ العربيةِ في وجهِ رفعِ "الوصية"؛ فقال بعضُهم: رُفِعت بمعنى: كُتبِتْ عليهم الوصيةُ. واعتلَّ في ذلك بأنها كذلك في قراءةِ عبدِ اللهِ (٤).

فتأويلُ الكلامِ على ما قاله هذا القائلُ: والذين يُتَوَفَّوْن منكم ويَذَرُون أزواجًا، كُتِب عليهم وصيةٌ لأزواجِهم. ثم تُرك ذكرُ "كُتِبَ"، ورُفِعت "الوصيةُ" بذلك المعنى، وإن كان متروكًا ذِكرُه.

وقال آخَرون منهم: بل "الوصيةُ" مرفوعةٌ بقولِه: ﴿لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ فتأوَّل (٥):


(١) ينظر ما تقدم في ص ٢٤٧.
(٢) كذا وردت هذه العبارة، والظاهر أن فيها سقطا تقديره: "عليهم أن يوصوا وصية". أو: "كتب الله عليهم وصية". أو أن يكونَ مكانها شاهدا لقراءة من قرأ بالرفع.
(٣) قرأ بالنصب أبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص. وقرأ الباقون بالرفع. ينظر حجة القراءات ص ١٣٨.
(٤) معاني القرآن للفراء ١/ ١٥٦، والبحر المحيط ٢/ ٢٤٥.
(٥) في ص: "فتأويل".