للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحانوتَ لا يَمْشِى، ولكن لما كان معلومًا عندَه أنه لا يَخْفَى على سامعِه ما قصَد إليه مِن معناه، حذَف الصاحبَ، واجْتَرَأَ بذكرِ الحانوتِ منه. فكذلك قولُه: (مِن الذين اسْتُحِقَّ عليهم الأوليان). إنما هو: مِن الذين استُحِق فيهم خيانتُهما. فحُذفَت الخيانةُ، وأُقِيم المختانان مُقامَهما (١)، فعَمِل فيهما ما كان يَعْمَلُ في المحذوفِ لو ظهَر.

وأما قولُه ﴿عَلَيْهِم﴾. في هذا الموضعِ، فإن معناها: فيهم. كما قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]. يعني: في ملكِ سليمانَ. وكما قال: ﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]. فـ "في" تُوضَعُ في (٢) موضعِ "على"، و "على" في موضعِ "في"، وكلُّ واحدةٍ منهما تُعاقِبُ صاحبتَها في الكلامِ، ومنه قولُ الشاعرِ (٣):

متى ما تُنْكِروها تَعْرِفوها … على أقطارِها عَلَقٌ نَفِيثٌ (٤)

وقد تأَوَّلَت جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ قولَ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾. أنهما رجلان آخران مِن المسلمين، أو رجلان أعْدَلُ مِن المُقْسِمَيْن الأوَّلَين.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا عبدُ الأعلى، قال: ثنا داودُ بنُ أبي هندٍ، عن عامرٍ، عن شريحٍ في هذه الآيةِ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ


(١) في م: "مقامها".
(٢) سقط من: م.
(٣) هو أبو المثلم الهذلي، ديوان الهذليين ٢/ ٢٢٤. ونسبه الأصمعي - وتبعه ابن قتيبة في المعاني الكبير ٢/ ٩٦٩ - إلى صخر الغى، ورد ذلك ابن السيد البطليوسى في الاقتضاب ٣/ ٣٨١.
(٤) أقطارها: نواحيها، والعلق: الدم، نفيث منفوث من الفم. شرح أشعار الهذليين ١/ ٢٦٤.