للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فجعَله: عليَّ واجبٌ؛ لأنه في المعنى قد أُوجِبَ.

وكان بعضُ نحويى الكوفةِ يُنْكِرُ ذلك ويقولُ: لا يَجوزُ أن يَكونَ ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ بدلًا مِن ﴿آخَرَانِ﴾ مِن أجلِ أنه قد نسَق (١) ﴿فَيُقْسِمَانِ﴾ على ﴿يَقُومَانِ﴾ في قولِه ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ﴾. فلم يَتِمَّ الخبرُ بعدَ (٢) ﴿مِنَ﴾ (٣). قال: و (٤) لا يَجوزُ الإبدالُ قبلَ إتمامِ الخبرِ. و (٥) قال: غيرُ جائزٍ: مرَرْتُ برجلٍ قام زيدٍ وقعَد. وزيدٌ بدلٌ مِن رجلٍ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن يقالَ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾. مرفوعان بما لم يُسمَّ فاعلُه، وهو قولُه: (اسْتُحِقَّ عليهم)، وأنهما وُضِعا (٦) موضعَ الخبرِ عنهما، فعمِل فيهما ما كان عاملًا في الخبرِ عنهما؛ وذلك أن معنى الكلامِ: فآخران يقومان مَقامهما من الذين استُحِقَّ عليهم الإثمُ بالخيانةِ. فوُضِع ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ موضعَ الإثمِ، كما قال تعالى ذكرُه في موضعِ آخَرَ ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر﴾ [التوبة: ١٩]. ومعناه: أجعلتُم سقايةَ الحاجِّ وعمارةَ المسجدِ الحرامِ كإيمانِ مَن آمن باللهِ واليومِ الآخرِ؟ وكما قال: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: ٩٣]. وكما قال بعضُ الهُذليين (٧):

يُمَشِّى بينَنا حانوتُ خمرٍ … من الخُرْسِ الصَّراصِرةِ القِطاطِ (٨)

وهو يعنى: صاحبُ حانوتِ خمرٍ. فأقام الحانوتَ مُقامَه؛ لأنه معلومٌ أن


(١) نسق: عطف
(٢) في م: "عند".
(٣) يعني: بعد قوله ﴿من الذين استحق عليهم الأوليان﴾.
(٤) زيادة يستقيم بها السياق.
(٥) في النسخ: "كما". والمثبت ما يستقيم به السياق
(٦) سقط من: م.
(٧) هو المتنخل الهذلى، والبيت في ديوان الهذليين ٢/ ٢١.
(٨) والخرس الصراصرة: أعاجم من نبط الشام يقال لهم الصراصرة، والقطاط: الجعاد، والواحد: قطط، أشد الجعودة. شرح أشعار الهذليين ٣/ ١٢٦٨.