للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميعًا (١)، وخفضًا؛ إذ كان ﴿الَّذِينَ﴾. مخفوضًا. وذلك وجهٌ مِن التأويلِ، غيرَ أنه إنما يُقالُ للشيءِ: أوَّلٌ. إذا كان له آخِرٌ هو له أوَّلٌ، وليس للذين اسْتحقَّ عليهم الإثمُ آخِرٌ، هم له أولٌ، بل كانت أيمانُ الذين عُثِر على أنهما استحقَّا إثمًا قبلَ أيمانِهم، فهم إلى أن يكونوا - إذ كانت أيمانُهم آخِرًا - أولى أن يكونوا آخِرين مِن أن يكونوا أولِين، وأيمانُهم آخِرةٌ لأُولى قبلُها.

وأما القراءةُ التي حُكِيَت عن الحسنِ، فقراءةٌ عن قراءةِ الحجةِ مِن القرأةِ شاذةٌ، وكفَى بشُذوذِها عن قراءتِهم دليلًا على بُعدِها مِن الصوابِ.

واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في الرافعِ لقولِه: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾. إذا قُرِئ كذلك؛ فكان (٢) بعضُ نحويى البصرةِ يَزْعُمُ أنه رُفِع ذلك بدلًا مِن ﴿فَآخَرَانِ﴾ في قولِه: ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾. وقال: إنما جاز أن يُبْدَلَ ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ وهو معرفةٌ، مِن ﴿فَآخَرَانِ﴾ وهو نكرةٌ؛ لأنه حينَ قال: ﴿يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ﴾. كان كأنه قد حدَّهما حتى صارا كالمعرفةِ في المعنى، فقال: الأَوْلَيان. فأجْرَى المعرفةَ عليهما بدلًا. قال: ومثلُ هذا مما يَجْرِى على المعنى كثيرٌ. واستشهَد لصحةِ قولِه ذلك بقولِ الراجزِ (٣):

عليَّ يومَ يَمْلِكُ الأُمورَا

صومَ شُهورٍ وجَبَت نُذُورَا

وبادِنًا (٤) مُقَلَّدًا مَنْحورًا


(١) في م: "جمعا".
(٢) في ص، م ت ١، ت ٢، ت ٣: "فقال".
(٣) سيأتي في ١٦/ ٥٥٣.
(٤) البادن: السمين الجسيم، ويريد هنا البَدَنة، وهى الناقة أو البقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها. الصحاح واللسان (ب د ن).