للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرَأ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ (١). بصحةِ (٢) معناها؛ وذلك لأن (٣) معنى: ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ [عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾: فآخران يَقومان مَقامَهما مِن الذين استحقَّ] (٤) فيهم الإثمُ. ثم حُذِف الإثمُ وأُقِيم مُقامَه الأوليان؛ لأنهما هما اللذان ظلَما وأثِما فيهما، بما كان مِن خيانةِ اللذين اسْتَحَقَّا الإثمَ، وعُثِر عليهما بالخيانةِ منهما، فيما كان أتَّمَنهما عليه الميتُ. كما قد بيَّنا فيما مضَى مِن فعلِ العربِ مثلَ ذلك؛ مِن حذفِهم الفعلَ اجتزاءً بالاسمِ، وحذْفِهم الاسمَ اجْتزاءً بالفعلِ (٥). ومِن ذلك ما قد ذكَرْنا في تأويلِ هذه القصةِ، وهو قولُه: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾. ومعناه: أن يَشْهَدَ اثنان. وكما قال: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾. فقال: ﴿به﴾. فعاد بالهاءِ على اسمِ اللهِ، وإنما المعنى: لا نَشْتَرِى بقسَمِنا باللهِ. فَاجْتُزِئَ بالعودِ على اسمِ اللهِ بالذكرِ، والمرادُ به: لا نَشْتَرِى بالقسمِ باللهِ. اسْتِغْناءً (٦) بفهمِ السامعِ بمعناه مِن (٧) ذكرِ اسمِ القسمِ. وكذلك اجتُزِئ بذكرِ الأَوْلَيَيْن مِن ذكرِ الإثمِ الذي اسْتَحَقه الخائنان لخيانتِهما إياهما (٨)، إذ كان قد جرَى ذكرُ ذلك بما أغْنَى السامعَ عندَ سَماعِه إياه مِن (٧) إعادتِه، وذلك قولُه: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾.

وأما الذين قرَءوا ذلك: (الأوَّلِينَ). فإنهم قصَدوا في معناه إلى الترجمةِ به عن ﴿الَّذِينَ﴾. فأخْرَجوا ذلك على وجه الجمعِ، إذ كان ﴿الَّذِينَ﴾


(١) بل قراءة (الأوليان) و (الأوّلين) كلتاهما صواب، وليست إحداهما أولى من الأخرى.
(٢) الباء هنا للسببية. وينظر مغنى اللبيب بحاشية الأمير، ١/ ٩٧، والجنى الداني ص ٣٩.
(٣) سقط من: ص، ت ١.
(٤) سقط من النسخ، والمثبت من تحقيق الشيخ شاكر.
(٥) يعنى بالفعل هنا المصدر كما تقدم.
(٦) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "استغنى".
(٧) في م: "عن".
(٨) في م: "إياها".