للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولِه: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. عليه، والعربُ تفعلُ ذلك اختصارًا للكلامِ. ونظيرُ ذلك في الكلامِ أن يستَحِقَّ رجلان من ذى سلطانٍ عقوبةً، فيعاقبَ أحدَهما ويعفوَ عن الآخرِ، فيقولُ المعفوُّ عنه: هذه نعمةٌ عليَّ من الأميرِ؛ أن عاقَب فلانًا وترَكنى. ثم حذَف "وتركنى"؛ لدلالةِ الكلامِ عليه.

ولـ ﴿أَنْ﴾ في قولِه: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وجهان (١)؛ أحدُهما، النصبُ؛ لتعلُّقِ ﴿تَمُنُّهَا﴾ بها. وإذا كانت نصبًا كان معنى الكلامِ: وتلك نعمةٌ تمُنُّها عليَّ لتعبُّدِك بني إسرائيلَ. والآخرُ، الرفعُ؛ على أنها ردٌّ على "النعمةِ". و (٢) إذا كانت رفعًا كان معنى الكلامِ: وتلك نعمةٌ تمنُّها على تعبيدُك بني إسرائيلَ.

ويعنى بقولِه: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: أن اتخذْتَهم عبيدًا لك، يقالُ منه: عَبَّدْتُ العبيدَ وأعبَدْتُهم. كما قال الشاعرُ (٣):

عَلامَ يُعْبِدُنى قومى وقد كَثرَتْ … فيهم (٤) أباعِرُ ما شاءوا وَعُبْدانُ

وبنحوِ الذي قلنا في [تأويلِ قولِه: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾] (٥). قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ،، قال: ثنا عيسى، وحدَّثنى الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:


(١) في م: "وجهين".
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.
(٣) معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٧٩. ونسبه في اللسان (ع ب د) إلى الفرزدق، وليس في ديوانه.
(٤) في م: "فيها".
(٥) في م، ت ٢: "ذلك".