للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين فارقوا دينهم الحقَّ، فأحدثوا البدع التي أحدثوا، ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾. يقولُ: بما هم به متمسكون من المذهب فرحون مسرورون، يحسبون أن الصوابَ معهم دون غيرهم.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكره: وإذا مسَّ هؤلاء المشركين الذين يجعلون مع الله إلهًا آخرَ - ضرٌّ، فأصابتهم شدَّةٌ وجُدوبٌ وقُحوطٌ، ﴿دَعَوْا رَبَّهُم﴾. يقولُ: أخلصوا لربهم التوحيدَ، وأفردوه بالدعاء والتضرع إليه، واستغاثوا به ﴿منِيبِينَ إِلَيْهِ﴾: تائبين إليه من شركهم وكفرهم، ﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مَّنْهُ رَحْمَةً﴾. يقولُ: ثم إذا كشف ربُّهم تعالى ذكره عنهم ذلك الضرَّ، وفرَّجه عنهم، وأصابَهم برخاء وخضبٍ وسَعَةٍ؛ ﴿إِذَا فَرِيقٌ مَّنهُم﴾. يقول: إذا جماعة منهم ﴿بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾. يقول: يعبدون معه الآلهة والأوثانَ.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكره متوعدًا لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنه إذا كشَف الضر كفَروا به: ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ بما أعطيناهم (١). يقول: إذا هم بربهم يشركون، كى يكفروا، أي يجحدوا النعمةَ التي أنعمتها عليهم، بكشفى عنهم الضرَّ الذي كانوا فيه، وإبدالي ذلك لهم بالرخاء والخصبِ والعافية. وذلك الرخاء والسعة هو الذي أتاهم تعالى ذكره، الذي قال: ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾. وقوله: ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾. يقولُ: فتمتعوا أيها القومُ، بالذي آتيناكم من الرخاءِ والسَّعةِ في هذه


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "أعطاهم".