للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾. قال: الإنسانُ إذا لم يكنْ له عقلٌ فما ينفعُه؟ [يعنى: إذا لم يكنْ له عقلٌ] (١) ينتَفِعُ به في ديِنه ومعاشِه دعَتْه العربُ مَثْبُورًا. قال: أظنُّك ليس لك عقلٌ يا فرعونُ. قال: بَيْنا هو يخافُه: ﴿وَلَا يَنْطَلِقُ (٢) لِسَانِي﴾ أن أقولَ هذا الفرعونَ. فلَمَّا شرح الله صدرَه اجتَرأ أن يقولَ له فوقَ ما أمرَه اللهُ (٣).

وقد بيّنّا الذي هو أولَى بالصوابِ في ذلك قبلُ (٤).

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (١٠٣) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فأراد فرعونُ أن يسْتفِزَّ موسى وبنى إسرائيلَ مِن الأرضِ، ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ﴾ في البحرِ، ﴿وَمَنْ مَعَهُ﴾ مِن جُندِه، ﴿جَمِيعًا﴾،

ونجَّيْنا موسى وبنى إسرائيلَ، وقُلْنا لهم مِن بعدِ هلاكِ فرعونَ: ﴿اسْكُنُوا الْأَرْضَ﴾: أرضَ الشامِ، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾. يقولُ: فإذا جاءتِ الساعةُ، وهى وعدُ الآخرةِ، ﴿جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾. يقولُ: حشَرْناكم مِن قبورِكم إلى موقفِ القيامةِ ﴿لَفِيفًا﴾. أي: مختلِطين، قد التفَّ بعضُكم على بعضٍ، لا تتعارَفون، ولا ينحازُ أحدٌ منكم إلى قبيلتِه وحيّه. من قولِك (٥): لَفَفْتُ الجيوشَ، إذا ضرَبتَ بعضَها ببعضٍ، فاختَلَطَ الجميعُ. وكذلك كلُّ شيءٍ خُلِط بشيءٍ فقد لُفَ به.


(١) في ص، ت ٢، ف: "وعقل"، وفي ت ١: "و".
(٢) في م: "ينطق".
(٣) ينظر التبيان ٦/ ٥٢٨.
(٤) تقدم في ص ١٠٨.
(٥) في ص: "قول"، وفى ت ١، ت ٢، ف: "قوله".