للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما (١) يُبَيِّنُ صحةَ القولِ الذي قلْنا في ذلك مِن أن معناه: أن الخلقَ يعودون إلى اللَّهِ يومَ القيامةِ خلقًا أحْياءً، كما بدَأَهم في الدنيا خلقًا أحْياءً.

يقالُ منه: بدَأ اللَّهُ الخلقَ يَبْدَؤُهم، وأَبْدَأَهم يُبْدِئُهم إبْداءً. بمعنى: خَلَقَهم. لُغتان فَصِيحتان.

ثم ابْتَدَأَ الخبر جلَّ ثناؤُه عما سَبق مِن علمِه في خلقِه، وجرَى به فيهم قضاؤُه، فقال: هدَى الله منهم فريقًا، فوفَّقَهم لصالحِ الأعمالِ فهم مُهْتَدون، وحقَّ على فريقٍ منهم الضَّلالةُ عن الهُدَى والرَّشادِ، باتخاذِهم الشيطانَ مِن دونِ اللهِ وليًّا.

وإذا كان التأويلَ هذا، كان "الفريقُ" الأولُ منصوبًا بإعمالِ ﴿هَدَى﴾، فيه، و "الفريقُ" الثاني بوقوعِ قولِه: ﴿حَقَّ﴾. على عائدِ ذكْرِه في ﴿عَلَيْهِمُ﴾، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الإنسان: ٣١].

ومَن وجَّه تأويلَ ذلك إلى أنه: كما بدَأَكم في الدنيا صِنْفَيْن؛ كافرًا ومؤمنًا، كذلك تَعُودون في الآخرةِ فريقَيْن؛ فريقًا هَدَى، وفريقًا حقَّ عليهم الضَّلالة. نصب "فريقًا" الأولَ بقولَه: ﴿تَعُودُونَ﴾، وجعَل الثانيَ عطفًا عليه. وقد بيَّنا الصوابَ عندَنا مِن القولِ فيه.

القولِ في تأويلِ قولِه: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: إن الفريق الذي حقَّ عليهم الضَّلالةُ، إنما ضلُّوا عن سبيلِ


= وأخرجه أحمد ٩/ ٤ (٢٠٩٦)، والبخارى (٢٥٢٦)، وابن حبان (٧٣٤٧) من طريق محمد بن جعفر به، وأخرجه الدارمي (٢٨٠٢)، والبخارى (٤٦٢٥، ٤٧٤٠)، ومسلم (٢٨٦٠/ ٥٨)، والنسائي (٢٠٨٦) من طريق شعبة به.
(١) هذا تمام قوله المتقدم، والسياق: على أن في الخبر الذي روى عن رسول الله . .. ما يبين صحة القول.