للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالوا: يا محمدُ ألم يَبْلُغْنا أنك تقولُ: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أفعنَيتَنا أم قومَك؟ قال: "كُلًّا قد عَنَيْتُ". قالوا: فإنك تَتْلُو أَنَّا قد أُوتينا التوراةَ وفيها تبيانُ كلَّ شيءٍ، فقال رسولُ اللهِ : "هي في عالمِ اللهِ قليلٌ، وقد آتاكم اللهُ ما إن عمِلْتم به انتفعتُم". فأنزَل الله: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ إلى قولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (١).

واختلَفت القرَأَةُ في قراءةِ قولَه: ﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾؛ فقرَأته عامةُ قرَأةِ المدينةِ والكوفة: ﴿وَالْبَحْرُ﴾ رفعًا على الابتداءِ، وقرأته قرأَةُ البصرةِ نصبًا، عطفًا به على "ما" في قولِه: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ﴾ (٢). وبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ عندى.

وقولُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. يقولُ: إن الله ذو عزَّةٍ في انتقامِه ممن أشرَك به، وادَّعى معه إلهًا غيرَه، حكيمٌ في تدبيرِه خلقَه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ما خلقُكم أيُّها الناسُ ولا بعثُكم على اللَّهِ إلا كخلقِ نفسٍ واحدةٍ وبعثِها، وذلك أن الله لا يتعذَّرُ عليه شيءٌ أرادَه، ولا يَمْتَنِعُ منه شيءٌ شاءه، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:٨٢]. فسواءٌ خَلْقُ واحدٍ وبعثه، وخلقُ الجميعِ وبعثُهم.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) تقدم تخريجه في ١٥/ ٧٢ حاشية (٤).
(٢) قراءة نصب الراء هي قراءة أبي عمرو، وقراءة ضم الراء هي قراءة الباقين وهم نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. السبعة ص ٥١٣، والتيسير ص ١٤٣.