للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعَنَى بالبحرِ في هذا الموضعِ الأنهارَ كلَّها، والعربُ تسمِّى الأنهارَ بحارًا، كما قال تعالى ذكره: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر﴾ [الروم: ٤١].

فتأويلُ الكلامِ: أُحِلَّ لكم أيها المؤمنون طريُّ سمكِ الأنهارِ الذي صِدْتموه في حالِ حِلِّكم وحُزْمِكم، وما لم تَصيدوه من طعامِه الذي قتَله ثم رمَى به إلى ساحِله.

واخْتَلف أهلُ التأويلِ في معنى قولِه: ﴿وَطَعَامُهُ﴾؛ فقال بعضُهم: عنى بذلك ما قذَف به إلى ساحلِه ميِّتًا. نحوَ الذي قلنا في ذلك.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن سِماكٍ، قال: حُدِّثتُ عن ابن عباسٍ، قال: خطَب أبو بكرٍ الناسَ، فقال: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾ وطعامُه: ما قذَف.

حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عمرُ بنُ أبي سَلَمةَ، عن أبيه، عن أبي هريرةَ، قال: كنتُ بالبحرين، فسألونى عما قذَف البحرُ. قال: فأفتيتُهم أن يأكُلوا، فلما قدِمتُ على عمرَ بن الخطابِ ذكَرتُ ذلك له، فقال لى: بِمَ أفتيتَهم؟ قال: قلتُ: أفتيتُهم أن يأكُلوا. قال: لو أفتيتَهم بغيرِ ذلك لعلوتُك بالدِّرَّةِ. قال: ثم قال: إن الله تعالى ذكرُه قال في كتابِه: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾. فصيدُه ما صِيد منه، وطعامُه ما قذَف (١).


= من طريق أبي الزبير عن جابر بمعناه.
(١) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٨٣٦ - تفسير) - ومن طريقه البيهقى ٩/ ٢٥٤ - من طريق عمر بن أبي سلمة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٣١،٣٣٢ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.