للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيْنَ يَدَيْهِ﴾. يقولُ: أَوْحَيْنَا إليه ذلك وأَنْزَلْناه إليه بتَصْديقِ ما كان قبلَه مِن كتبِ اللَّهِ التي كان أَنْزَلَها على كلِّ أُمَّةٍ أُنْزِل إلى نبيِّها كتابٌ للعملِ بما أُنْزِل إلى نبيِّهم في ذلك الكتابِ، مِن تَحْليلِ ما حلَّل، وتحريمِ ما حرَّم. ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةً﴾. يقولُ: أَنْزَلْنا الإنجيلَ إلى عيسى مُصَدِّقًا للكتبِ التي قبلَه، وبيانًا لحكمِ اللَّهِ الذي ارْتَضاه لعباِده المتَّقِين في زمانِ عيسى وعِظةً (١) لهم. يقولُ: وزَجْرًا لهم عما يَكْرَهُه اللَّهُ إلى ما يُحِبُّه مِن الأعمالِ، وتَنْبيهًا لهم عليه.

والمتقون هم الذين خافوا اللَّهُ وحَذِروا عقابَه، فاتقَوه بطاعتِه فيما أمَرَهم، وحَذِروه بترْكِ ما نهاهم عن فعلِه.

وقد مضَى البيانُ عن ذلك بشواهدِه قبلُ، فأَغْنَى ذلك عن إعادتِه (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧)﴾.

اخْتَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَلْيَحْكُمْ﴾؛ فقرَأته قَرَأةُ الحجازِ والبَصْرةِ وبعضُ الكوفيين: ﴿وَلْيَحْكُمْ﴾ بتسكينِ اللامِ (٣) على وجهِ الأمرِ مِن اللَّهِ لأهلِ الإنجيلِ، أن يَحْكُموا بما أنْزَل اللَّهُ فيه مِن أحكامِه. وكأن مَن قرَأ ذلك كذلك أراد: وآتَيْناه الإنجيلَ فيه هُدًى ونورٌ ومُصَدِّقًا لِمَا بين يديه مِن التَّوراة، وأمَرْنا أهلَه أن يَحْكموا بما أنْزَل الله فيه. فيَكونُ في الكلامِ مَحْذوفٌ تُرِكَ اسْتِغْناءً بما ذُكِر عمَّا حُذِف.

وقرَأ ذلك جَماعةٌ مِن أهلِ الكوفةِ: (ولِيَحْكُمَ أهلُ الإنجيلِ) بكسرِ اللامِ مِن (لِيَحْكُمَ) (٤)، بمعنى: كى يَحْكُمَ أهلُ الإنْجيلِ. وكأن معنى مَن قرَأ ذلك كذلك:


(١) في م: "موعظة".
(٢) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٣٧ - ٢٤٠.
(٣) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وأبي عمرو والكسائي. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢٤٤.
(٤) وهى قراءة حمزة. المصدر السابق.