للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآتَيْناه الإنجيلَ فيه هُدًى ونورٌ ومُصَدِّقًا لِمَا بين يديه مِنَ التَّوْرَاةِ، وكَى يَحْكُمَ أهلُه بما فيه مِن حكمِ اللَّهِ.

والذي يَتَراءَى في ذلك أنهما قِراءتانِ مَشْهورتان مُتَقارِبَتا المعنى، فبأيِّ ذلك قرَأ قارئٌ فمُصِيبٌ فيه الصوابَ. وذلك أن اللَّهَ تعالى ذكرُه لم يُنْزِلْ كتابًا على نبيٍّ مِن أنبيائِه إلا ليَعْمَلَ بما فيه أهلُه الذين أُمِروا بالعملِ بما فيه، ولم يُنْزِله عليهم إلا وقد أمَرَهم بالعملِ بما فيه، فللعملِ بما فيه أنْزَله، وأمَر بالعملِ بما فيه أهلَه، فكذلك الإنجيلُ، إذ كان مِن كتبِ اللَّهِ التي أنْزَلها على أنبيائِه، فللعملِ بما فيه أنْزَله على عيسى، وأمَر بالعملِ به أهلَه، فسَواءٌ قُرِئ ذلك على وجهِ الأمرِ بتسكينِ اللامِ، أو قُرِئ على وجهِ الخبرِ بكسرِها؛ لاتفاقِ معنيَيْهما.

وأما ما ذُكر عن أبيِّ بن كعبٍ مِن قِراءتِه ذلك: (وأنْ ليَحْكُمَ (١)). على وجهِ الأمْرِ، فذلك مما لم يَصِحَّ به النقلُ عنه، ولو صحَّ أيضًا لم يَكُنْ في ذلك ما يُوجِبُ أن تكونَ القِراءةُ بخلافِه مَحْظورةً، إذ كان معناها صحيحًا، وكان المُتَقَدِّمون مِن أئمةِ القرأةِ قد قرَءوا بها.

وإذ كان الأمرُ في ذلك على ما بيَّنَّا، فتأويلُ الكلامِ إِذا قُرِئَ بكسرِ اللامِ مِن (لِيَحْكُمَ): وآتَيْنا عيسى ابنَ مريمَ الإنجيلَ فيه هُدًى ونُورٌ، ومُصَدِّقًا لما بينَ يديه مِن التوراةِ، وهُدًى وموعظةً للمتقين، وكى يَحْكُمَ أهل الإنجيلِ بما أَنْزَلْنا فيه، فبدَّلوا حكمَه، وخالَفُوه، فضلُّوا بخلافِهم إياه، إذ لم يَحْكُموا بما أَنْزَلَ اللَّهُ فيه وخالَفوه ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. يعنى الخارِجِين عن أَمْرِ اللَّهِ فيه، المُخالِفين له فيما أمَرَهم ونهاهم في كتابِه.


(١) في م: "احكم". وفي س: "يحكم". البحر المحيط ٣/ ٥٠٠. وهي قراءة شاذة.