نَستجِيزُ خِلافَهم فيما جاء عنهم - لكان وجهًا يحتمِلُه التأويلُ أن يقالَ: ولا تَجهَرْ بصلاتِك التي أمَرناك بالمُخافَتةِ بها، وهى صلاةُ النهارِ؛ لأَنَّها عَجْمَاءُ لا يُجهَرُ بها، ولا تُخافِتْ بصلاتِك التي أمَرناك بالجهرِ بها، وهى صلاةُ الليلِ، فإِنَّها يُجهَرُ بها، ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ بأن تَجْهَرَ بالتي أمَرناك بالجهرِ بها، وتُخافِتَ بالتي أمَرناك بالمُخافتةِ بها، لا تَجَهَرْ بجميعِها، ولا تُخافِتْ بكلِّها - فكان ذلك وجهًا غيرَ بعيدٍ من الصحةِ، ولكنَّا لا نَرى ذلك صحيحًا؛ لإجماعِ الحجةِ من أهلِ التأويلِ على خلافِه.
فإن قال قائلٌ: فأيةُ قراءةٍ هذه التي بينَ الجهرِ والمخافتةِ؟
قيل: حدَّثني مطرُ بنُ محمدٍ، قال: ثنا قتيبةُ ووهبُ بنُ جريرٍ، قالا: ثنا شعبةُ، عن الأشعثِ بن سُليمٍ، عن الأسودِ بن هلالٍ، قال: قال عبدُ اللهِ: لم يُخافِتْ مَن أَسْمَع أُذُنيْه (١).
حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا شعبةُ، عن الأشعثِ، عن الأسود بن هلالٍ، عن عبدِ اللهِ مثلَه.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: وقل يا محمدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ فيكونَ مربوبًا لا ربًّا؛ لأنَّ ربَّ الأربابِ لا يَنْبَغى أن يكونَ له ولدٌ، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ فيكونَ عاجزًا ذا حاجةٍ إلى معونةِ غيرِه ضعيفًا، ولا يكونُ إلهًا من كان محتاجًا إلى مُعينٍ على ما حاول، ولم يكنْ منفردًا بالمُلكِ
(١) أخرجه ابن أبي شيبة ٢/ ٤٤٠، من طريق الأشعث به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٠٨ إلى المصنف.