للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأعرابِ، الذين إنما يُنفقون رياءً اتِّقاءَ (١) أن يُغزَوا أو يُحارَبوا أو يُقاتَلُوا، ويَرَون نفقتهم مَغْرمًا، ألا تراه يقولُ: ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ (٢).

واخْتَلَفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقَرَأه عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ بفتحِ السين، بمعنى النعتِ للدائرةِ، وإن كانت الدائرةُ مضافةً إليه، كقولِهم: هو رجلُ السَّوءِ، وامرؤُ الصدقِ. كأنه إذا فُتح، مصدرٌ، من قولِهم: سُؤتُه أَسْوءُه سَوءًا ومَساءَةً ومَسائيَةً. وقرأ ذلك بعضُ أهل الحجازِ وبعضُ البَصْريِّين: (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوءِ) بضمِّ السينِ (٣)، كأنه جَعَله اسمًا، كما يقالُ: عليه دائرةُ البلاءِ والعذابِ. ومن قال: (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوْءِ) فضَمَّ، لم يقلْ: هذا رجلُ السُّوءِ، بالضمِّ، والرجلُ السُّوءُ. وقال الشاعرُ (٤):

وكنتَ كَذِئبِ السَّوءِ لمَّا رأَى دَمًا … بصاحبِه يومًا أحال على الدَّمِ (٥)

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندَنا بفتحِ السينِ (٦) بمعنى: عليهم الدائرةُ التي تسُوءُهم سَوءًا، كما يقالُ: هو رجلٌ صِدقٌ. على وجهِ النعتِ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)﴾.


(١) في ف: "إبقاء على"، وفى ص، ت ١، ت ٢، س: "إنعاء على". غير منقوطة عدا "س".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٨٦٦ من طريق أصبغ عن ابن زيد.
(٣) قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ بفتح السين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم السين. التيسير في القراءات السبع ص ٩٧، والكشف عن وجوه القراءات ١/ ٥٠٥.
(٤) البيت للفرزدق، وهو في ديوانه ص ٧٤٩، وفى اللسان (س و أ).
(٥) أحال الذئب على الدم: أقبل عليه. اللسان (ح و ل). قال الجاحظ: فإنها - أي الذئاب - قد تتهارش على الفريسة، ولا تبلغ القتل، فإذا أدمى بعضها بعضا وَثَبت عليه فمزقته وقتلته … اهـ ثم أورد البيت. الحيوان ٦/ ٢٩٨.
(٦) القراءتان كلتاهما صواب.