للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوجُهِه السبعةِ حدًّا حده اللَّهُ جلَّ ثناؤُه، لا يَجوزُ لأحدٍ أن يَتَجاوَزَه.

وقولُه : "وإنَّ لكُلِّ حَرْفٍ منها ظَهْرًا وبَطْنًا". فظهرُه الظاهرُ في التلاوةِ، وبطنُه ما بطَن مِن تأويلِه.

وقوله : "وإنَّ لكُلِّ حَدٍّ من ذلك مُطَّلَعًا". فإنه يعني أن لكلِّ حدٍّ مِن حدودِ اللَّهِ التي حدَّها فيه، مِن حلالٍ وحرامٍ وسائرِ شرائعِه، مِقْدارًا مِن ثوابِ اللَّهِ وعقابِه يُعايِنُه في الآخرةِ، ويَطَّلِعُ عليه، ويُلاقِيه في القيامةِ، كما قال عمرُ بنُ الخطابِ : لو أن لي ما في الأرضِ مِن صفراءَ وبيضاءَ لافْتَدَيْتُ به مِن هولِ المُطَّلَعِ (١). يعْني بذلك ما يَطَّلِعُ عليه ويهجُمُ عليه مِن أمرِ اللَّهِ بعد وفاتِه.

القولُ في الوجوهِ التي مِن قِبَلِها يُوصَلُ إلى معرفةِ تأويلِ القرآنِ

قال أبو جعفرٍ: قد قلنا في الدَّلالةِ على أن القرآنَ كلَّه عربيٌّ، وأنه نزَل بألسنِ بعضِ العربِ دون ألسنِ جميعِها، وأن قراءةَ المسلمين اليومَ، ومَصاحفَهم التي هي بينَ أظهرِهم، ببعضِ الألسنِ التي نزَل بها القرآنُ دون جميعِها. وقلنا في البيانِ عما يَحْوِيه القرآنُ مِن النورِ والبُرْهانِ، والحِكْمةِ والتِّبيانِ (٢)، التي أوْدَعها اللَّهُ إياه، مِن أمرِه ونهيِه، وحلالِه وحرامِه، ووعدِه ووَعيدِه، ومُحْكمِه ومُتَشابهِه، ولطائفِ حُكْمِه - ما فيه الكفايةُ لمَن وُفِّق لفهمِه.

ونحن قائلون في البيانِ عن وجوهِ مطالبِ تأويلِه:

قال اللَّهُ جل ثناؤُه وتقَدَّسَت أسماؤُه لنبيِّه محمدٍ : ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]. وقال أيضًا


(١) أخرجه أبو يعلى (٢٧٣١)، وعنه ابن حبان (٦٩٠٥). وينظر طبقات ابن سعد ٣/ ٣٥٤، ٣٥٥.
(٢) في م: "البيان".