للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى إجماعِ القرأةِ على رفعِ "الحطة" بيانٌ واضحٌ على خلافِ الذى قاله عكرمةُ مِن التأويلِ في قولِه: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾.

وكذلك الواجبُ على التأويلِ الذى روَيْناه عن الحسنِ وقَتادةَ في قولِه: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾. أن تكونَ القراءةُ في ﴿حِطَّةٌ﴾ نَصْبًا؛ لأنَّ مِن شأنِ العربِ إذا وضَعوا المصادرَ مَواضِعَ الأفعالِ، وحذَفوا الأفعالَ، أن يَنْصِبوا المصادرَ، كما قال الشاعرُ (١):

أُبِيدُوا (٢) بأَيْدِى عُصْبَةٍ (٣) وسُيوفُهم … على أُمَّهاتِ الهامِ ضربًا شآمِيَا

وكقولِ القائلِ للرجلِ: سمعًا وطاعةً. بمعنى: أسمَعُ (٤) سمعًا وأُطيعُ (٥) طاعةً. وكما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿مَعَاذَ اللهِ﴾ [يوسف: ٢٣، ٧٩]. بمعنى: نَعوذُ باللهِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ وعزّ: ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ﴾.

يعنى بقولِه جلّ ثناؤُه: ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ﴾: نَتَغَمَّدْ لكم بالرحمةِ خَطاياكم، ونَسْتُرْها عليكم، فلا نَفْضَحْكم بالعقوبةِ عليها.

وأصلُ الغَفْرِ التغطيةُ والسترُ، فكلُّ ساترٍ شيئًا فهو غافرُه. ولذلك (٦) قيل للبَيْضةِ مِن الحديدِ التى تُتَّخَذُ جُنَّةً للرأسِ: مِغْفَرٌ؛ لأنَّها تُغَطِّى الرأسَ وتجُنُّه. ومنه غِمْدُ


(١) هو الفرزدق، والبيت في ديوانه ص ٨٩٠.
(٢) في الديوان: "أناخوا".
(٣) في الديوان: "طاعة".
(٤) في الأصل، ر، ت ١، ت ٢، ت ٣: "اسمع".
(٥) في الأصل، ر، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أطع".
(٦) في ص، ر، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ومن ذلك".