للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى هذا الموضع سيئةٌ لا حسنةَ فيه، فالصوابُ قراءتُه بالتنوينِ. ومن قرَأ هذه القراءةَ، فإنه يَنبغِي أن يكونَ من نيتِه أن يكونَ المكروهُ مقدَّمًا على السيئةِ، وأن يكونَ معنى الكلامِ عندَه: كلُّ ذلك كان مكروهًا سيئةً؛ لأنه إن جعل قوله: "مكروهًا" بعدَ (١) السيئةِ من نعتِ السيئةِ، لزِمه أن تكونَ القراءةُ: (كلُّ ذلك كان سيئةً عندَ ربِّك مكروهةً)، وذلك خلافُ ما في مصاحفِ المسلمين.

وأولى القراءتين عندى في ذلك بالصوابِ قراءةُ مَن قرَأ: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ﴾. على إضافةِ السيئ إلى الهاءِ، بمعنى: كلُّ ذلك الذي عدَّدْنَا من ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ … ﴿كَانَ سَيِّئُهُ﴾؛ لأن في ذلك أمورًا منهيًّا عنها، وأمورًا مأمورًا بها، وابتداءُ الوصيةِ والعهدِ من ذلك الموضعِ دونَ قولِه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ﴾. إنما هو عطفٌ على ما تقدَّم من قولِه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ فإذ (٢) كان ذلك كذلك فقراءتُه بإضافةِ السيئِ إلى الهاء أولى وأحقُّ من قراءتِه (سيئةً) بالتنوينِ، بمعنى السيئةِ الواحدةِ.

فتأويلُ الكلام إذنْ: كلُّ هذا الذي ذكَرنا لك من الأمورِ التي عدَّدناها عليك كان سيئُه (٣) مكروهًا عندَ ربِّك يا محمدُ، يكْرَهُه ويَنْهَى عنه ولا يَرْضَاه، فاتَّقِ مواقعتَه والعَمَلَ به.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (٣٩)﴾.


(١) في ص، م: "نعد".
(٢) في م: "فإذا".
(٣) في ت ١، ت ٢، ف: "سيئة".