للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيَذَّكَّرُ وعدَه ووعيده فيها، فينزجرُ عمَّا زجَره عنه ربُّه، ويُطيعُه فيما أمَره به ﴿إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. يعنى: إلَّا أُولو العقول الذين عقَلوا عن الله أمرَه ونهيَه.

فأَخْبَر جلَّ ثناؤُه أن المواعظَ غيرُ نافعةٍ إلّا أُولى الحِجا والحُلُوم، وأن الذِّكرَى غيرُ ناهيةٍ إلا أهلَ النُّهَى والعقول.

القولُ في تأويل قوله جل ثناؤُه: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٢٧٠)﴾.

يعنى جلَّ ثناؤُه بذلك: وأيَّ نفقةٍ أَنْفَقتُم. يعني: أيَّ صدقةٍ تصدَّقُتُم، أو أيَّ نَذْرٍ نذَرتم. يعْنى بالنذرِ ما أَوْجَبه المرءُ على نفسِه، تبرُّرًا في طاعةِ اللهِ، وتقرُّبًا به إليه من صدقةٍ أو عمل خير، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ أي: إنَّ جميع ذلك بعلم الله، لا يعزُبُ عنه منه شيءٌ، ولا يَخْفَى عليه منه قليلٌ ولا كثيرٌ، ولكنه يُحْصِيه أيها الناسُ عليكم، حتى يُجازِى (١) جميعَكم على جميع ذلك، فمن كانت نفقتُه منكم وصدقتُه ونذرُه ابتغاءَ مرضاة الله وتثبيتًا من نفسه، جازاه بالذي وعَده من التضعيف، ومن كانت نفقتُه وصدقتُه رياءَ الناس، ونذورُه للشيطان، جازاه بالذي أوْعَده من العقاب وأليم العذاب.

كالذي حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ ﷿: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ﴾. قال (٢): فإن الله يَعْلَمُه ويُحْصِيه (٣).

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.


(١) في ص. م، ت ١، ت ٢، ت ٣ "يجازيكم".
(٢) سقط من: م.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٣٥ (٢٨٤١) من طريق ابن أبي نجيح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٥٠ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.