للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. الذي هو خبرٌ عن مِلْكِه جميعَ أجناسِ الخلقِ، وأن يكونَ مُجاورَ وصفِه بالعظمةِ والأُلوهةِ ما كان له نظيرًا في المعنى مِن الثناءِ عليه، وذلك قولُه: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. فزعَموا أن ذلك لهم دليلٌ على أن قولَه: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ بمعنى التقديمِ قبلَ: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وإن كان في الظاهرِ مؤخَّرًا. وقالوا (١): نظائرُ ذلك مِن التقديمِ الذي هو بمعنى التأخيرِ، والمؤخَّرِ الذي هو بمعنى التقديمِ - في كلامِ العربِ أفْشَى، وفي مَنْطِقِها أكثرُ مَن أن يُحْصَى؛ مِن ذلك قولُ جريرِ بنِ عَطِيةَ (٢):

طاف الخيالُ وأين منك لِمامَا (٣) … فارْجِعْ لزَوْرِك بالسلامِ سلامَا

بمعنى: طاف الخيالُ لِمامًا، وأين هو منك؟ وكما قال جل ثناؤُه في كتابِه العزيزِ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف: ١]. بمعنى: الحمدُ للَّهِ الذي أنزَل على عبدِه الكتابَ قَيِّمًا ولم يَجْعَلْ له عِوَجًا. وما أشبهَ ذلك. ففي ذلك دليلٌ شاهدٌ على صحةِ قولِ مَن أنْكَر أن تكونَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مِن فاتحةِ الكتابِ آيةً.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾

قال أبو جعفرٍ: القُرَّاءُ مُخْتَلِفون في تلاوةِ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. فبعضُهم يَتْلوه: (مَلِكِ يَومِ الدّينِ). وبعضُهم يَتْلُوه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. وبعضُهم يَتْلُوه: (مالكَ يَومِ الدّينِ). بنصبِ الكافِ (٤). وقد اسْتَقْصَيْنا حكايةَ


(١) بعده في م، ت ٢: "في".
(٢) شرح ديوانه ص ٥٤١.
(٣) اللمام: الزيارة غِبًّا، ويقال: فلان يزورنا لماما. أي في الأحايين. اللسان (ل م م).
(٤) أما قراءة (مَلِكِ) فهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة، وأما قراءة (مالِكِ): فهي =