للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصفُ اللَّهِ جلّ ثناؤُه به نفسَه في قولِه: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. مع قربِ مكانِ إحدى الآيتَيْن مِن الأخرى، ومُجاورتِها صاحبتَها؟ بل ذلك لنا حجةٌ على خطإِ دعْوَى مَن ادَّعى أن: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مِن فاتحةِ الكتابِ آيةٌ، إذ لو كان ذلك كذلك، لكان ذلك إعادةَ آيةٍ بمعنًى واحدٍ ولفظٍ واحدٍ مرتين مِن غيرِ فاصلٍ يَفْصِلُ (١) بينَهما. وغيرُ موجودٍ في شيءٍ مِن كتابِ اللَّهِ آيتان مُتَجاوِرتان مُكَرَّرتان بلفظٍ واحدٍ ومعنًى واحدٍ، لا فصلَ بينَهما مِن كلامٍ يُخالِفُ معناه معناهما، وإنما يأتي بتكريرِ آيةٍ بكمالِها في السورةِ الواحدةِ، مع فصولٍ تَفْصِلُ بينَ ذلك، وكلامٍ يُعْتَرَضُ به بغيرِ معنى الآياتِ المُكَرَّراتِ أو غيرِ ألفاظِها، ولا فاصِلَ بينَ (٢) قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مِن: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. وقولِه: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مِن: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

فإن قال (٣): فإن: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فاصلٌ بين (٢) ذلك.

قيل: قد أنْكَر ذلك جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ، وقالوا: إن ذلك مِن المُؤَخَّرِ الذي معناه التَّقديمُ، وإنما هو: الحمدُ للَّهِ الرحمنِ الرحيمِ ربِّ العالمين مَلِكِ يومِ الدينِ. واسْتَشْهَدوا على صحةِ ما ادَّعَوْا مِن ذلك بقولِه: (مَلِكِ يومِ الدِّينِ). فقالوا: إن قولَه: (مَلِكِ يومِ الدِّينِ) تعليمٌ مِن اللَّهِ عبدَه أن يَصِفَه بالمَلِكِ في قراءةِ مَن قرَأ: (مَلِكِ). وبالمِلْكِ في قراءةِ مَن قرَأ: ﴿مَالِكِ﴾. قالوا: فالذي هو أولى أن يكونَ مُجاوِرَ وَصْفِه بالمُلْكِ أو المِلْكِ ما كان نظيرَ ذلك مِن الوصفِ، وذلك هو قولُه:


(١) سقط من: ص.
(٢) في ص: "من".
(٣) بعده في م: "قائل".