أَرْسَلْتُك به إليهم مِن الحقِّ، فلم يَسْتَجيبوا لك، وأعْرَضوا عنه، فما عليك مِن لَومٍ ولا عَذَلٍ؛ لأنك قد أدَّيْتَ ما عليك في ذلك، إنه ليس عليك إلا بلاغُهم ما أُرْسِلْتَ به.
ويعنى بقولِه: ﴿الْمُبِينُ﴾. الذي يُبَيِّنُ لمن سمِعه حتى يَفْهَمَه.
وأما قولُه: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا﴾، فإن أهلَ التأويلِ اخْتَلَفُوا في المَعْنيِّ بالنعمةِ التي أخْبَر اللهُ تعالى ذكرُه عن هؤلاء المشركين أنهم يُنْكِرونها مع معرفتِهم بها؛ فقال بعضُهم: هو النبيُّ ﷺ، عرَفوا نبوتَه، ثم جحَدوها وكذَّبوه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن السديِّ: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا﴾. قال: محمدٌ ﷺ(١).
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن السديِّ مثلَه.
وقال آخرون: بل معني ذلك: أنهم يَعْرِفون أن ما عدَّد اللهُ تعالى ذكرُه في هذه السورةِ من النعمِ مِن عندِ اللهِ، وأن الله هو المُنْعِمُ بذلك عليهم، ولكنهم يُنْكِرون ذلك، فيَزْعُمون أنهم وَرِثوه عن آبائِهم.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدثنا المثنى، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا وَرْقاءُ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، وحدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللِه، عن وَرْقاءَ جميعًا، عن
(١) تفسير سفيان ص ١٦٦، وأخرجه أحمد في علله ١/ ٤٠٩ (٢٦٦٥)، من طريق سفيان به، ومن طريقه أخرجه الخلال في السنة (٢١٢) من طريق وكيع عن سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٢٧ إلى ابن أبي شيبة والمصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.