وهذه أبرز سمة في هذا التفسير، إذ يبدأ الطبري تفسير الآية بحشد الروايات المسندة عن النبي ﷺ، وعن الصحابة والتابعين، وفي غالب الأحيان يذكر المعنى الذي يستنبطه من الروايات والذي يرجحه، ثم يذكر الروايات التي تخالفها إن وجدت، فالترجيح بالرويات هو أقوى مرجحات الطبري لما يختاره من المعاني التي يستنبطها، وعلى الرغم من أمانته في ذكر الأسانيد، إلا أنه لم يتوجه إليها بالنقد إلا في القليل النادر، على عكس منهجه في نقده الشديد للتوجيهات اللغوية، والآراء النحوية، وكان الأولى به أن يتحرى نقد الأسانيد؛ خاصة أنه ساق كثيرًا من الإسرائيليات، ولعل دافعه إلى ذلك أنه ساق السند بتمامه، ومن أسند لك فقد حمَّلك أمانة البحث عن رجال السند، وبالتالي فقد أخلى عهدته. ولا ينقص هذا الأمر من قدر هذا السفر عظيم النفع، فقد أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، حين سئل عن أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة، فقال: وأما التفاسير التي في أيدي الناس، فأصحها "تفسير محمد بن جرير الطبري" فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليسر فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبي (١).
[٢ - التفسير باللغة]
ذكر الطبري في مقدمة تفسيره - كما أسلفنا - أن من أوجه تأويل القرآن ما كان علمه عند أهل اللسان الذي نزل به القرآن؛ لذلك استعان كثيرًا جدًّا بالتأويل باللغة، وقد مكَّنه من ذلك غزارة علمه بالعربية، ومعرفته لدلالات ألفاظها