فمعنى الآيةِ: فخِزْىُ اللهِ وإبعادُه على الجاحدِين ما قد عَرَفوا من الحقِّ عليهم للهِ ولأنبيائِه، المنكِرين ما قد ثَبَت عندهم صحَّتُه من نبوةِ محمدٍ ﷺ، وفى إخبارِ اللهِ ﷿ عن اليهودِ بما أخبَر عنهم بقولِه: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾: البيانُ الواضحُ أنهم تَعَمَّدوا الكفرَ بمحمدٍ ﷺ بعد قيامِ الحجةِ بنبوتِه عليهم وقَطْعِ اللهِ عُذْرَهم بأنه رسولُه إليهم.
ومعنى قولِه جل ثناؤه: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾: ساء ما اشْتَرَوْا به أنفسَهم.
وأصلُ "بِئْس""بَئِسَ" من البُؤْسِ، سُكِّنَتْ همزتُها ثم نُقِلت حركتُها إلى الباءِ، كما قيل في: ظَلِلْتُ: ظِلْتُ. وكما قيل للكَبِدِ: كِبْدٌ. فنُقِلَتْ حركةُ الباءِ إلى الكافِ لما سُكِّنتِ الباءُ. وقد يَحْتَمِلُ أن تكونَ "بِئْسَ" -وإن كان أصلُها "بَئِسَ"- من لغةِ الذين ينقُلُون حركةَ العينِ من "فَعِل" إلى الفاءِ، إذا كانت عينُ الفعلِ أحدَ حروفِ الحلقِ الستةِ، كما قالوا من: لَعِبَ، لِعْبَ. ومن: سَئم، سِئْمَ. وذلك فيما يقالُ لغةٌ فاشِيَةٌ في تميمٍ، ثم جُعِلَتْ دَلالةً (١) على الذمِّ والتوبيخِ ووُصِلَتْ بـ "ما".
ثم اختلَف أهلُ العربيةِ في معنى "ما" التى مع ﴿بِئْسَمَا﴾؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: هى وحدَها - اسمٌ، و ﴿أَنْ يَكْفُرُوا﴾ تفسيرٌ له، نحوَ: نِعْمَ رجلًا زيدٌ. و ﴿أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ﴾ بدلٌ مِن ﴿أَنْزَلَ اللهُ﴾.