للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

حدَّثني يُونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ نحوَه.

وأَوْلَى القراءتينِ في ذلك بالصوابِ (١) قراءةُ مِن قرأَ: (اعْلَمْ). بوصلِ الألفِ، جزمِ الميمِ، على وجهِ الأمرِ من اللهِ جلَّ ثناؤُه للذى أحياه بعدَ مماتِه، بالأمرِ بأن يَعْلَمَ أن الله الذي أراه بعينَيْه ما أراه مِن عظيمِ قدرتِه وسلطانِه؛ مِن إحيائه إيَّاه وحمارَه بعد موتٍ مائةَ عامٍ وبَلائِه، حتى عادا كهيئتهما يومَ قَبْضِ أرواحِهما، وحِفْظه عليه طعامَه وشرابَه مائةَ عامٍ، حتى ردَّه كهيئتِه يومَ وضَعه، غيرَ مُتَغَيِّرٍ - على كلِّ شيءٍ قادرٌ كذلك.

وإنما اخْتَرْنَا قراءة ذلك كذلك، وحَكَمْنا له بالصوابِ دونَ غيرِه؛ لأن ما قبلَه مِن الكلامِ أمرٌ من اللهِ؛ قولًا للذى أحياه اللهُ بعدَ مماتِه، وخطابًا له به، وذلك قولُه: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ - ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ (٢). فلمَّا تبيَّن ذلك له جوابًا عن مسألتِه ربَّه: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾. قال اللهُ له: اعلمْ أن الله الذي فعل هذه الأشياءَ على ما رأيتَ، على غير ذلك مِن الأشياء قديرٌ، كقدرتِه على ما رأيتَ وأمثالِه، كما قال لخليلِه إبراهيمَ صلى الله عليه، بعدَ أن أجابه عن مسألتِه إيَّاه في قولِه: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. فأمَر إبراهيمَ بأن يَعْلَم بعدَ أن أَراه كيفيَّةَ إحيائِه الموتى أنه عزيزٌ حكيمٌ، وكذلك أمَر الذي سأل فقال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ بعدَ أن أَراه كيفيةَ إحيائِه إيَّاها، أن يَعْلَمَ أن الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

القولُ في تأويلِ قِوله جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ


(١) القراءتان متواترتان وليست إحداهما أولى بالصواب من الأخرى.
(٢) في الأصل: "ننشرها".