للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشركون أن تَتَخيَّروا ذلك عليَّ أنتم؛ لأن تخيُّرَ الرسولِ إلى المرسِلِ دونَ المرسَلِ إليه، واللهُ أعلمُ إذا أرْسَل رسالةً بموضعِ رسالاتِه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ معلِمَه ما هو صانعٌ بهؤلاء المُتَمَرِّدِين عليه: سيُصيبُ يا محمدُ الذين اكتَسَبوا الإثمَ بشركِهم باللهِ، وعبادتِهم غيرَه ﴿صَغَارٌ﴾. يعني: ذلةٌ وهوانٌ.

كما حدَّثني محمدُ بنُ الحسين، قال: ثنا أحمدُ بنُ المفضلِ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾. قال: الصَّغَارُ الذلةُ (١).

وهو مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: صغِر يَصْغَرُ صَغارًا وصَغَرًا، وهو أَشدُّ الذلِّ.

وأما قولُه: ﴿صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾. فإن معناه: سيُصِيبُهم صَغارٌ مِن عندِ اللهِ، كقولِ القائلِ: سيَأْتِيني [رِزْقي عندَ اللهِ] (٢). بمعنى: مِن عندِ اللهِ. يُرادُ بذلك: سيَأْتِيني الذي لي عندَ اللهِ. وغيرُ جائزٍ لمن قال: سيُصِيبُهم صَغارٌ عندَ اللهِ. أن يَقولَ: جئتُ عندَ عبدِ اللهِ. بمعنى: جئتُ مِن عندِ عبدِ اللهِ؛ لأن معنى: سيُصِيبُهم صَغارٌ عندَ اللهِ: سيُصِيبُهم الذي عندَ اللهِ من الذلِّ بتكذيبِهم رسولَه. فليس ذلك بنظيرِ: جئتُ مِن عندِ عبدِ اللهِ.

وقولُه: ﴿وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾. يقولُ: يُصِيبُ هؤلاء المكذِّبين باللهِ ورسولِه، المُسْتَحِلِّين ما حرَّم اللهُ عليهم مِن الميتةِ، مع


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٨٤ (٧٨٧٠) من طريق أحمد بن مفضل به.
(٢) في ص: "رزق الله"، وفي ت ١، ت ٢، س، ف: "من عند الله".