للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوْلَى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يقالَ: إن الله أخبر أنه آتَى داودَ -صلواتُ الله عليه- فصل الخطاب، والفصلُ هو القَطْعُ، والخطابُ هو المُخاطَبَةُ، ومِن قَطعِ مُخاطبةِ الرجلِ الرجلَ فى حالِ احْتِكامِ أحدهما إلى صاحبه -قَطْعُ المحتكم إليه الحُكْمَ بين المحتكم إليه وخَصْمِه، بصوابٍ مِن الحُكْمِ. ومِن قَطْعِ مُخاطَبَتِه أيضًا صاحبه إلزامُ المخاطَب في الحكم ما يجب عليه؛ إن كان مُدَّعِيًا فإقامة البينة على دَعواه، وإن كان مُدَّعًى عليه فتكليفُه اليمينَ إن طلبَ ذلك خَصْمُه، ومِن قَطْعِ الخطابِ أيضًا، الذى هو خُطْبَةٌ، عندَ انْقِضاءِ قصةٍ وابتداءٍ بأُخرَى، الفصلُ بينَهما بـ: أمَّا بعدُ.

فإذ كان ذلك كلُّه مُحْتَمِلًا ظاهرَ الخبرِ، ولم تَكُنْ في الآيةِ دَلالةٌ على أيِّ ذلك المرادُ، ولا وَرَدَ به خبرٌ عن الرسول ثابتٌ (١)، فالصواب أن يُعَمَّ الخبرُ كما عَمَّه الله، فيقالُ: أُوتى (٢) داود فصلَ الخطابِ فى القضاءِ والمُحاورةِ والخُطَبِ (٣).

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيه محمد : وهل أتاك يا محمدُ خبرُ (٤) الخَصمِ. وقِيل: إنه عُنِى بالخَصمِ في هذا الموضعِ مَلَكانِ، وخرَج في لفظِ الواحدِ؛ لأنه مصدرٌ، مثلَ الزَّوْرِ والسَّفْرِ (٥)، لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ، ومنه


(١) سقط من: ت ٢، ت ٣.
(٢) في ت ٣: "وآتى".
(٣) فى ت ٣: "الخطاب".
(٤) في م: "نبأ".
(٥) الزَّور: الذى يزورك. ورجلٌ زورٌ وقومٌ زورٌ وامرأةٌ زورٌ ونساء زورٌ، يكون للواحد والجمع والمذكر =