للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : لا يَحْزُنْك الذين يُسارِعون في الكفرِ مِن اليهودِ الذين وصَفْتُ لك صفتَهم، فإن مُسارَعتَهم إلى ذلك أن اللَّهَ قد أراد فتنتَهم، وطبَع على قلوبِهم، فلا يَهْتَدون أبدًا، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾. يقولُ: هؤلاء الذين لم يُرِدِ اللَّهُ أن يُطَهِّرَ مِن دَنَسِ الكفرِ ووَسَخِ الشركِ قلوبَهم، بطهارةِ الإسلامِ ونظافةِ الإيمان فيَتوبُوا، بل أراد بهم الخزْىَ في الدنيا، وذلك الذلُّ والهَوانُ، وفى الآخرةِ عذابُ جَهنمَ خالدين فيها أبدًا.

وبنحوِ الذي قلنا في معنى "الخزْى" رُوِى القولُ عن عكرمةَ.

حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عليِّ بن الأَقْمَرِ (١) وغيرِه، عن عكرمةَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾. قال: مدينةٌ في الرومِ تُفْتَحُ فيُسْبَوْنَ (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء اليهودُ الذين وصَفْتُ لك يا محمدُ صفتَهم، سمَّاعون لِقيلِ الباطلِ والكذبِ، مِن قيلِ بعضِهم لبعضٍ: محمدٌ كاذبٌ ليس بنبيٍّ. وقِيلِ بعضِهم: إن حكمَ الزانى المُحْصَنِ في التوراةِ الجلدُ والتحميمُ. وغيرِ ذلك مِن الأباطيلِ والإفْكِ، ويَقْبَلون الرِّشَا، فيأْكُلونها على كَذِبِهم على اللَّهِ وفِرْيَتِهم عليه.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا أبو عَقِيلٍ، قال:


(١) في م: "الأرقم". وسيأتي على الصواب في ١٠/ ٣٥، ١١/ ٥٦٦، ١٥/ ٥٨٨. وينظر تهذيب الكمال ٢٠/ ٣٢٣.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٨٣ إلى المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.