للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ: فاعْلَموا أنه ليس على مَن أرسلناه إليكم بالنِّذارةِ غيرُ إبلاغِكم الرسالةَ التي أُرْسِل بها إليكم، مبيَّنةً لكم بيانًا يوضِّحُ لكم سبيلَ الحقِّ، والطريقَ الذي أُمِرتم أن تسلُكوه، وأما العقابُ على التوليةِ، والانتقامُ بالمعصيةِ، فعلى [المُرْسِل دونَ المُرْسَلِ] (١).

وهذا من اللهِ تعالى وعيدٌ لمن تولَّى عن أمرِه ونهيِه. يقولُ لهم تعالى ذكرُه: فإن توليتم عن أمرِى ونهيِى، فتوقَّعوا عقابى، واحْذروا سَخَطى.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه للقومِ الذين قالوا - إذ أَنْزل اللهُ تحريمَ الخمرِ بقولِه: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ -: كيف بمن هلَك من إخوانِنا وهم يَشرَبونها، وبنا وقد كنا نشرَبُها: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ منكم حرجٌ فيما شربِوا من ذلك، في الحالِ التي لم يكنِ اللهُ تعالى حرَّمه عليهم، ﴿إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. يقولُ: إذا ما اتَّقَى اللَّهَ الأحياءُ منهم، فخافُوه وراقَبوه في اجتنابِهم ما حرَّم عليهم منه، وصدَّقوا الله ورسولَه فيما أمَراهم ونَهَياهم، فأطاعوهما في ذلك كلِّه، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. يقولُ: واكتسبُوا من الأعمالِ ما يَرْضاه اللهُ في ذلك، ممّا كلفهم بذلك ربُّهم، ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا﴾. يقولُ: ثم خافُوا اللَّهَ وراقَبوه، باجتنابِهم محارمَه بعد ذلك التكليفِ أيضًا، فثبَتوا على اتقاءِ اللهِ في ذلك، والإيمانِ به، ولم يُغيِّروا ولم يبدِّلوا، ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا﴾، يقولُ: ثم خافوا الله، فدعاهم خوفُهم الله إلى الإحسانِ، وذلك


(١) في م: "المرسَل إليه دون الرسل".