للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد دلَّلنَا على معنى "النسخِ"، والمعنى الذي من قِبَلِه ثبَتت صحةُ النَّسخِ، بما قد أغنَى عن إعادَتِه في هذا الموضعِ (١).

فتأويلُ الآيةِ - إذ كان الأمرُ على ما وصَفْنا -: وقاتلُوا أيُّها المؤمنون في سبيلِ اللهِ. وسَبيلُه: طريقُه الذي أوضحَه، ودينُه الذي شرَعَه لعبادِه، يقولُ لهم جلَّ ثناؤُه. وقاتلوا في طاعتِي، وعلى ما شرَعتُ لكم من دينِي، وادْعُوا إليه مَن وَلَّى عنه واستكبرَ، بالأيدِي والألسنِ، حتى يُنِيبُوا إلى طاعتِي، أو يُعطوكم الجزيةَ صَغارًا إنْ كانوا أهلَ كتابٍ. وأمَرهم جلَّ ثناؤُه بقتالِ مَن كان فيه قتالٌ من مُقاتِلةِ أهلِ الكفرِ، دونَ مَن لم يكنْ فيه قِتالٌ، من نسائِهم وذَراريِّهم، فإنهم أموالٌ وخَوَلٌ لهم، إذا غُلبَ المقاتلون منهم فقُهِرُوا. فذلك معنى قولِه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [لا أنه] (٢) أباح الكفَّ عمَّنْ كفَّ فلم يقاتلْ مِن مشركِي أهلِ الأوثانِ، أو (٣) الكافِّينَ عن قتالِ المسلمينَ مِن كفارِ أهلِ الكتابِ على غير (٤) إعطاءِ الجزيةِ صَغارًا.

فمعنى قولِه: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾: لا تقتُلوا وليدًا ولا امرأةً، ولا مَن أعطاكُم الجزيةَ مِن أهلِ الكتابيْن والمجوسِ، ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، الذين يتجاوزون حدودَه، فيَسْتحلُّون ما حرَّمه عليهم من قَتلِ هؤلاءِ الذين حرَّمَ قتلَهم، من نساءِ المشركين وذَرارِيِّهم.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾.


(١) ينظر ما تقدم في ٢/ ٣٨٨ وما بعدها.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لأنه".
(٣) في م: "و".
(٤) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.