للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحرامِ مَن هو حولَه ممن بينَه وبينَه من المسافةِ ما لا تُقْصَرُ إليه الصلاةُ؛ لأن الحاضِرَ الشيءِ في كلامِ العربِ هو الشاهدُ له بنفْسِه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان لا يَستحِقُّ أن يُسمَّى غائبًا إلَّا مَن كان مسافرًا شاخصًا عن وطنِه، وكان المسافرُ لا يكونُ مسافرًا إلَّا بشخوصِه عن وطنِه إلى ما تُقصَرُ في مثلِه الصلاةُ، وكان مَن لم يكنْ كذلكَ لا يَستحِقُّ اسمَ غائبٍ عن وطنِه ومنزِلِه، كان كذلك مَن لم يكنْ من المسجدِ الحرامِ على ما تُقصَرُ إليه الصلاةُ غيرَ مُستحِقٍّ أن يقالَ: هو من غيرِ حاضرِيه. إذ كان الغائبُ عنه هو مَن وصَفْنا صِفتَه.

وإنما لم تكنِ المتعةُ لمن كان من حاضرِي المسجدِ الحرامِ، من أجلِ أن التَّمتعَ إنما هو الاستمتاعُ بالإحلالِ من الإحرامِ بالعمرةِ إلى الحجِّ، مرتفِقًا في ترْكِ العودِ إلى المنزلِ والوطنِ، بالمقامِ بالحرَمِ حتى يُنشِئَ منه الإحرامَ بالحجِّ، وكان المعتمرُ متى قضَى عُمرتَه في أشهرِ الحجِّ، ثم انصرَفَ إلى وطنِه، أو شَخَص عن الحرمِ إلى ما تُقصَرُ فيه الصلاةُ، ثم حَجَّ من عامِه ذلك، بطَل أن يكونَ مُسْتَمْتِعًا؛ لأنه لم يَسْتَمْتِعْ بالمِرْفَقِ الذي جُعِل للمُستمتِعِ؛ مِن ترْكِ العَوْدِ إلى الميقاتِ، والرجوعِ إلى الوطنِ، بالمُقامِ في الحرَمِ، وكان المكِّيُّ [ومَن هو] (١) من حاضرِي المسجدِ الحرامِ لا [مَرْفِقَ له في ذلك] (٢) من أجلِ أنه متى قضَى عُمْرَتَه أقام في وطنِه بالحرمِ، فهو غيرُ مُرْتَفِقٍ بشيءٍ مما يَرْتَفِقُ به مَن لَم يكنْ أهلُه من حاضِرِي المسجدِ الحرامِ، فيكونَ [مُسْتَمْتِعًا به بإحلالِه] (٣) من عمرتِه إلى حجِّه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦)﴾.


(١) سقط من: م، وفي ت ١، ت ٢، ت ٣: "وهو".
(٢) في م: "يرتفق بذلك".
(٣) في م: "متمتعًا بالإحلال"، وفي ت ١، ت ٢، ت ٣: "مستمتعا بالإحلال".