للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣)

يعنى بقولِه جل ثناؤُه: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾: ولقد كنتم يا مَعْشَرَ أصحابِ محمدٍ ﴿تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾، يعنى أسبابَ الموتِ، وذلك القتالُ، ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾. يقولُ: فقد رَأَيْتُم ما كنتم تمنَّونه.

والهاء في قوله: ﴿رَأَيْتُمُوهُ﴾، عائدة على الموتِ، والمعنى (١) [ما وصفتُ] (٢)، ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ يعني: قد رَأَيْتُموه بمرأًى منكم ومَنْظَرٍ، أي بقُربٍ منكم.

وكان بعضُ أهل العربية يَزْعمُ أنه قيل: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾. على وجهِ التوكيدِ للكلامِ، كما يقالُ: رأيته عِيانًا ورأيته بعينى وسمعتُه بأُذُنى. وإنما قيل: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾. لأن قومًا من أصحابِ رسولِ اللهِ ممن [لم يَشْهدْ] (٣) بدرًا، كانوا يَتَمنَّون قبلَ أُحُدٍ يومًا مثلَ يومِ بدرٍ، [فيُبْلُوا الله] (٤) من أنفسهم خيرًا، ويَنَالوا مِن الأجرِ مثلَ ما نال أهلُ بدرٍ، فلما كان يومُ أُحُدٍ فرَّ بعضُهم، وصَبر بعضُهم حتى أَوْفَى بما كان عاهَد الله قبلَ (٥) ذلك، فعاتَب اللهُ مَن فرَّ منهم فقال: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ الآية. وأَثْنَى على الصابرين منهم والمُوفِين بعهدِهم (٦).

ذِكْرُ الأخبارِ بما ذكَرنا مِن ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال ثنا عيسى، عن ابن أبي


(١) في م: "ومعنى".
(٢) بياض في ص. وسقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٣) في ت ١، ت ٢، س: "شهد". وينظر الأثر التالى، وسيرة ابن هشام ٢/ ١١١.
(٤) في ت ١، ت ٢: "فينيلوا من"، وفى س: "فينيلوا".
(٥) في ت ٢: "في".
(٦) سقط من: ت ١، س.