للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيَقْذِفُه إلى نبيِّه محمدٍ ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾. يقولُ: علامُ ما يَغيبُ عن الأبصارِ، [فلا يُظْهرُها] (١)، وما لم يَكُنْ مما هو كائِنٌ. وذلك مِن صِفَةِ الرَّبِّ ، غيرَ أنه رُفِع لمجيئِه بعدَ الخبرِ، وكذلك تَفْعَلُ العربُ إذا وقع النَّعْتُ بعدَ الخبرِ في "إِنَّ" (٢)؛ أتْبَعوا النعتَ إعرابَ ما في الخبرِ، فقالوا: إن أباك يَقومُ الكريمُ. فيُرْفَعُ (٣) الكريمُ على ما وَصَفْتُ، والنصبُ فيه جائزٌ؛ لأنه نعتٌ للأبِ، فيَتْبَعُ إعرابَه (٤).

وقولُه: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾. يقولُ: قُلْ لهم يا محمدُ: جاء القرآنُ ووَحْى اللهِ ﷿. ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ﴾. يقولُ: وما يُنْشِئُ الباطلُ خَلْقًا. والباطلُ هو فيما فَسَّر أهلُ التأويلِ: إبليسُ. ﴿وَمَا يُعِيدُ﴾. يقولُ: ولا يُعيدُه حَيًّا بعدَ فَنائِه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾: أي بالوَحيِ، ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾: أي القرآنُ، ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾، والباطلُ: إبليسُ؛ أي ما يَخْلُقُ إبليسُ أحدًا، ولا يَبعْثُه (٥).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾. فقرأ: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ إلى قولِه: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨]. قال: يُزْهِقُ اللهُ الباطِلَ، ويُثَبِّتُ اللهُ


(١) في م: "ولا مظهر لها"، وفى ت ١: "ولا يظهرها"، وفى ت ٢: "ولا مظهر".
(٢) في م: "أن".
(٣) في م: "فرفع".
(٤) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٦٤.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ١٣٢، ١٣٣ مفرقا عن معمر عن قتادة بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٤٠ إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم. وينظر تفسير القرطبي ١٤/ ٣١٢، ٣١٣.