للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بعضُ أهلِ مكةَ، وبعضُ أهل المدينةِ، وعامةُ قرأةِ الكوفةِ يقرَءونه: ﴿تَتْرَى﴾ بإرسالِ الياءِ على مثالِ "فَعْلَى" (١).

والقولُ في ذلك أنَّهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان في كلامِ العربِ، بمعنًى واحدٍ، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ، غير أنِّى مع ذلك أختارُ القراءةَ بغيرِ تنوينٍ؛ لأنها أفصح اللغتين وأشهرُهما.

وقولُه: ﴿كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾. يقولُ: كلما جاء أمةً من تلك الأممِ التى أنشَأْناها بعدَ ثمودَ، رسولُها الذى نرسِلُه إليهم، كذَّبوه فيما جاءهم به من الحقِّ من عندِنا.

وقولُه: ﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾. يقولُ: فأتبعْنا بعضَ تلك الأممِ بعضًا بالهلاكِ، فأهلَكْنا بعضَهم في أثرِ بعضٍ.

وقولُه: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾. [يقولُ: وجَعَلْنا تلك الأُمَمَ أحاديثَ] (٢) للناسِ ومثلًا يُتَحدّثُ بهم في الناسِ.

و "الأحاديثُ" فى هذا الموضعِ جمعُ أُحدوثةٍ؛ لأنَّ المعنى ما وصفتُ من أنهم جُعلوا للناسِ مثلًا يُتحدَّثُ بهم. وقد يجوزُ أن يكونَ جمعَ حديثٍ.

وإنما قيل: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾؛ لأنهم جُعلوا حديثًا ومثلًا يُتمثَّلُ بهم في الشرِّ، ولا يقالُ فى الخيرِ: جعَلتُه حديثًا، ولا أُحدوثةً.

وقولُه: ﴿فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. يقولُ: فأبعَد اللهُ قومًا لا يؤمنون باللهِ ولا يصدِّقون رسولَه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ


(١) وهى قراءة نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائى ويعقوب وخلف. ينظر النشر ٢/ ٢٤٦.
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.