للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصوابُ، دونَ الذى قال مجاهدٌ أنهم عُنُوا به؛ لأنه ليس في انتقالِ قومٍ بحِلْفٍ (١) عن حلفائِهم إلى آخرين غيرِهم، صدٌّ عن سبيلِ اللهِ، ولا ضلالٌ عن الهدى، وقد وصَف تعالى ذكرُه في هذه الآيةِ فاعِلِى ذلك، أنهم باتخاذِهم الأيمانَ دَخَلًا بينَهم، ونقضِهم الأيمانَ بعدَ توكيدِها، صادُّون عن سبيلِ اللهِ، وأنهم أهلُ ضلالٍ فى التي قبلَها، وهذه صفةُ أهلِ الكفرِ باللهِ، لا صفةُ أهلِ النُّقْلةِ بالحِلْفِ عن قومٍ إلى قومٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ (٢) الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ولا تَنْقُضوا عهودَكم، أيُّها الناسُ، وعقودَكم التي عاقدْتُموها مَن عاقَدْتُم، مُؤَكِّديها بأيْمانِكم، تَطْلُبون بنقضِكم ذلك عَرَضًا مِن الدنيا قليلًا، ولكن أوْفُوا بعهدِ الله الذى أمَرَكم بالوفاءِ به، يُثِبْكم اللهُ على الوفاءِ به، فإن ما عندَ اللهِ مِن الثوابِ لكم على الوفاءِ بذلك، هو خيرٌ لكم إن كنتم تَعْلَمون فضْلَ ما بينَ العِوَضَين اللذين أحدُهما الثمنُ القليلُ الذي تَشْتَرون بنقضِ عهدِ اللهِ في الدنيا، والآخَرُ الثوابُ الجزيلُ في الآخرةِ على الوفاءِ به.

ثم بيَّن تعالى ذكرُه فرْقَ ما بينَ العِوَضَيْن، وفضْلَ ما بينَ الثوابين، فقال: ما عندَكم، أيُّها الناسُ، مما تتَمَلَّكونه في الدنيا، وإن كثُر، فنافدٌ فانٍ، وما عندَ اللهِ لمن أوْفَى بعهدِه وأطاعه من الخيراتِ باقٍ غيرُ فانٍ، فلِمَا عندَه فاعْمَلُوا، وعلى الباقي الذي لا يَفْنَى فاحْرِصوا.


(١) في م: "تحالفوا".
(٢) في ص، ف: "ليجزين" بالياء، وهى قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. ينظر السبعة ص ٣٧٥.