للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. يقولُ: إن النارَ أقوى مِن الطينِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قولَه: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ﴾. قال: ثم جَعَل ذرِّيتَه مِن ماءٍ.

وهذا الذي قاله عدوُّ اللهِ ليس لِما سألَه عنه بجوابٍ، وذلك أن الله تعالى ذكرُه قال له: ما مَنَعك من السجودِ؟ فلم يُجِبْ بأن الذي منعه من السجودِ أنه خُلِقَ مِن نارٍ وخُلِقَ آدمُ من طينٍ، ولكنه ابتدَأ خبرًا عن نفسِه، فيه دليلٌ على موضعِ الجواب، فقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾.

القول في تأويلِ قوله ﷿: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣)﴾.

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: قال اللهُ لإبليسَ عندَ ذلك: فاهْبِطْ منها.

وقد بَيَّنا معنى الهبوطِ فيما مَضَى قبلُ بما أغنَى عن إعادتِه (١).

﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فقال اللهُ له: اهبِطْ منها. يعنى من الجنةِ، ﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ﴾. يقولُ: فليس لك أن تستكبرَ في الجنةِ عن أمرى وطاعتى.

فإن قال قائلٌ: وهل لأحدٍ أن يَتَكَبَّرَ [عن أمرِ اللهِ وطاعتِه في غيرِ الجنةِ فيقالَ: ليس لك أن تتكبَّرَ] (٢) في الجنةِ؟

قيل: إن معنى ذلك بخلافِ ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى ذلك: فاهبِطْ مِن الجنةِ؛ فإنه لا يسكُنُ الجنةَ مُتَكَبِّرٌ عن أمرِ اللهِ، فأما غيرُها، فإنه قد يَسْكُنُها المستكبرُ


(١) تقدم في ١/ ٥٧١.
(٢) سقط من: ص م ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.