للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندي ما عليه قرأةُ الأمصارِ؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِن القرأةِ عليه.

وقولُه: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: قال اللهُ لهم: ستَعْلَمون غدًا في القيامةِ مَن الكذابُ الأشِرُ؛ منكم معشرَ ثَمودَ ومِن رسولِنا صالحٍ، حينَ تَرِدون على ربِّكم. وهذا التأويلُ على قراءةِ من قرَأ قولَه: (ستَعْلَمون) بالتاءِ، وهي قراءةُ عامةِ أهلِ الكوفةِ سوى عاصمٍ والكِسائيِّ (١). وأما تأويلُ ذلك على قراءةِ مَن قرَأه بالياءِ - وهي قراءةُ عامةِ قرأةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ وعاصمٍ والكِسائيِّ (٢) - فإنه: قال اللهُ: سيَعْلَمون غدًا من الكذَّابُ الأشِرُ. وتُرِك مِن الكلامِ ذكرُ: "قال اللهُ"؛ استغناءً بدَلالةِ الكلامِ عليه.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ مِن القرأةِ، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبُ؛ لتقارُبِ معنييهما، وصحتِهما في الإعرابِ والتأويلِ.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: إنا باعِثو الناقةِ التي سأَلَتها ثمودُ صالحًا، من الهَضْبةِ التي سأَلوه بَعْثتَها لهم منها، آيةً لهم، وحُجَّةً لصالحٍ على حقيقةِ نبوتِه وصدقِ قولِه.

وقولُه: هو ﴿فِتْنَةً لَهُمْ﴾. يقولُ: ابْتلاءً لهم واختبارًا، هل يُؤْمنون باللهِ ويَتَّبِعون


(١) وبها قرأ ابن عامر وحمزة. النشر ٢/ ٢٨٤.
(٢) وبها قرأ نافع وابن كثير وعاصم وأبو عمرو الكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف. المصدر السابق.