للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُدُودَهُ﴾ الآية: في شأن المواريثِ التي ذكَر قبلُ.

قال ابن جُرَيْج: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾. قال: مَن أصاب من الذُّنوب ما يُعَذِّبُ اللهُ عليه.

فإن قال قائلٌ: أو مُخَلَّدٌ (١) في النار مَن عصَى الله ورسولَه في قسمة المواريث؟

قيل: نعم، إذا جمَع إلى معصيتهما في ذلك شكًّا في أن الله فرض عليه ما فرَض على عبادِه في هاتين الآيتين، أو علم ذلك فحادَّ الله ورسوله في أمرهما، على ما ذكَر ابن عباس مِن قولِ مَن قال حين نزَل على رسول الله قولُ الله : ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ إلى تمام الآيتين. أَيُوَرَّثُ مَن لا يَرْكَبُ الفرسَ ولا يُقاتِلُ العدوَّ ولا يَحُوزُ الغنيمةَ، نصفَ المال أو جميع المال (٢)؟ استنكارًا منهم قسمةَ اللهِ ما قسَم لصغارِ ولد الميتِ ونسائِه وإناثِ ولده، فمن (٣) خالَف قسمةَ اللهِ ما قسَم مِن ميراثِ أهل الميراث بينَهم، على ما قسَمه في كتابِه، وخالَف حكمَه في ذلك وحكمَ رسولِه، استنكارًا منه حكمَهما، كما اسْتَنكره الذين ذكَر أمرَهم ابن عباسٍ، ممن كان بينَ أظهُرِ أصحاب رسول الله من المنافقين، الذين فيهم نزَلت وفي أشكالِهم هذه الآية - فهو من أهل الخلودِ في النار؛ لأنه باستنكاره حُكْمَ اللهِ في تلك يَصِيرُ باللهِ كافرًا، ومن ملَّةِ الإسلام خارجًا.

القولُ في تأويل قوله: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)﴾.


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يخلد".
(٢) تقدم تخريجه في ص ٤٥٥.
(٣) في النسخ: "ممن". والمثبت ما يقتضيه السياق.