للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ميتُ الفؤادِ (١).

وقال آخرون: إنما مَثَّلَه جل ثناؤُه بالكلبِ لأنه كان يَلْهَثْ كما يَلْهَتُ الكلبُ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾: وكان بَلْعَمُ يَلْهَثْ كما يَلْهَثُ الكلبُ، وأما ﴿تَحْمِلْ عَلَيْهِ﴾: فتَشُدَّ عليه (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأوْلَى التأويلين في ذلك بالصواب تأويلُ من قال: إنما هو مَثَلٌ لتركِه العملَ بآياتِ اللهِ التي أتاها إياه. وإن معناه: سواءٌ وُعِظَ أو لم يُوعَظُ، في أنه لا يَتْرُكُ ما هو عليه من خلافِه أمرَ ربِّه، كما سواءٌ حُمِلَ على الكلبِ وطُرِدَ، أو تُرِكَ فلم يُطْرَدْ، في أنه لا يَدَعُ اللهثَ في كلتا حالتيه.

وإنما قلنا: ذلك أوْلى القولين بالصوابِ؛ لدلالة قوله تعالى ذكرُه: ﴿ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾. فجعَل ذلك مَثَلَ المكذِّبين بآياتِه، وقد عَلِمنا أن اللُّهاثَ ليس في خِلقةِ كلِّ مكذِّبٍ كُتِبَ عليه تركُ الإنابة من تكذيبٍ بآياتِ اللهِ، وإنَّ ذلك إنما هو مثلٌ ضرَبه الله لهم، فكان معلومًا بذلك أنه للذى وصف الله صفتَه في هذه الآية - كما هو لسائرِ المكذِّبين بآياتِ اللهِ - مَثَلٌ.

القولُ في تأويلِ قوله: ﴿ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: هذا المثلُ الذي ضرَبتُه لهذا الذي آتيناه آياتِنا فانسَلَخ منها،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٦١٧، ١٦١٨، ١٦١٩، ١٦٢٠ من طريق يزيد به مفرقًا دون قول الحسن، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٤٦ - دون قول الحسن - إلى عبد بن حميد وأبى الشيخ.
(٢) تقدم تخريجه في ص ٥٧٣ دون آخره.